المستشفى العسكري في الزرقاء


لظروف خاصة جدا تعايشت في الأيام الماضية مع الطاقم الطبي العامل في غرفة (ICU) وكنت أتمنى لو أنني أجيد الرسم لأرسم لهؤلاء الشباب أجمل لوحة تخلد عملهم تتفوق على الجيوكندا في زمانها ، أو أنظم فيهم أروع قصيدة تضاهي المعلقات وتتفوق على الشوقيات واللاميات ....

الطاقم التمريضي في تلك الغرفة عبارة عن مجموعة من الشباب بعمر العطاء تم اختيارهم كنخبة من طاقم مستشفى الأمير هاشم العسكري بالزرقاء (التضميد سابقاً) ، يعملون بصمت متناهي ، يسرون على رؤوس أصابعهم بخفة وكأن على رؤوسهم الطير ، ويتنقلون بين الأسرة يدققون النظر على الأجهزة يجسون النبض والحرارة بأكفهم الطاهرة وقلوبهم الصافية ، يدونون كل لحظة وإشارة وتغير ، يسمعون النبض ويشعرون به ..هم ملائكة رحمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى دون تورية أو إسقاط ...

كنت أرقبهم وهم يتبادلون التهاني فرحين بمغادرة احد المرضى غرفة إنعاشهم وقد أنعشوه إلى إحدى الغرف العادية ، بعد أن كتب الله له الشفاء على أيدهم ،يحملونه برفق من السرير إلى السرير ما انفكوا يذكرون الله عند كل خطوة وكل لمسه ، كانت مشاعرهم تضفي على المكان الاطمئنان وتبعث الدفء والأمل في عيون مرضاهم ، يملكون سعة في الصدر كملعب كرة قدم فلا تراهم يتأففون من أنين مريض ولا من لهفة زائر ولا ضغط عمل ، فهم يشبهون النحل في الخلية ، فلا فوارق بينهم ولا رتب عليهم ...

تدمع عيونهم وترى الحزن باديا على وجوههم لمريض غادر محمولا وقد غُطىَ الوجه وأسبل العيون وهو لم يلبث عندهم إلا قليلا ، فسبقهم الأجل وحانت ساعته وهم لا يعرفونه ، ولكنه يرونه روحاً إنسانية ...يسألون الله له الرحمة والمغفرة قاطعين الوعد بالمحاولة من جديد فالأمل بالله معقود والحياةُ مستمرة والصبر والسلوان وحسن العزاء يكون بروح تبعث للحياة على أيديهم من جديد ...

تقف جميع الحروف في فمي حائرة فلا أجد ما يمكن أن اصف به هؤلاء النخبة هم وزملائهم من الأطباء والإداريين ..في مستشفى الأمير هاشم العسكري ، ترى صورة مصغرة عن هذا الوطن الكبير ، كفاءات وتلاحم وتراحم بينهم ، عمل مستمر وحياة لا تعرف الليل من النهار ولا الغني من الفقير ولا الحارس من الوزير كلهم على سرير الشفاء واحد فجهاز قياس الضغط ينزع عن هذا ليوضع على ذاك والخبرة التي يضعها الطبيب هنا هي نفسها التي وضعها هناك في غزة وأفغانستان والعراق والسودان ...

الخدمات الطبية الملكية نفتخر بك وبكوادرك الإنسانية ونقدر كل عمل تقومين به ليبقى قلب الوطن ينبض بالحياة...

أما انتم أيها الرائعون في غرفة الإنعاش نحملكم أوسمة على صدورنا ونرفع قبعاتنا احتراما لكم ، والله نسأل أن يحفظكم من كل شر وأن يلبسكم ثوب العافية والصحة كما تلبسونه لأهلنا وأطفالنا فأنتم بحق جنوداً مجهولين بقلوب رحيمة فلكم مني ومن كل أردني شريف ألف تحية وتحية ..


الدكتور هاشم محمود الزيود

0776172438