لماذا تخسر الدولة قضايا التحكيم والمنازعات؟ قراءة واقعية في ضوء تقارير رسمية وخبرة ميدانية

بقلم: د. عصام عبد الجليل الكساسبة
خبير العقود والتحكيم – عضو نقابة المقاولين الأردنيين الأسبق
في مراجعة دقيقة للتقرير السنوي الثاني والسبعين لعام 2023 الصادر عن ديوان المحاسبة، وفي ضوء السؤال النيابي الموجه من سعادة النائب نور أبو غوش بتاريخ 23/12/2024، نجد أنفسنا أمام أرقام صادمة لا يمكن تجاهلها: 331 قضية مرفوعة ضد الجهات الحكومية، منها 142 قضية صدر فيها أحكام بمبلغ يتجاوز 73 مليون دينار، و108 قضايا ما زالت منظورة بقيمة تقارب 185 مليون دينار.

الأسباب؟ ليست مجهولة، بل واضحة وضوح الشمس، ومع ذلك، لم تُتخذ إجراءات حقيقية لعلاجها.
من خلال خبرتي الطويلة كمحكّم وكمتابع للعديد من هذه القضايا، أضع بين أيديكم جزءًا من المشهد على سبيل المثال لا الحصر
١ _ ضعف الكادر الهندسي الحكومي، وعدم إلمامه الكافي بالعقود، وخاصة عقد المقاولة الموحد، وأبرزها المادة (3/5) التي تُعد محورًا رئيسيًا في النزاعات.
٢ _ التأخر في إصدار الأوامر التغييرية، وعدم صرف المستحقات رغم وجود مخصصات مالية، في مخالفة صريحة لقانون الأشغال العامة.
٣ _ عدم مواءمة المخططات للموقع أو لجدول الكميات، نتيجة دراسات غير محدثة، وعدم تحميل المصمم المسؤولية.
٤ _ ضعف التنسيق بين المهندس والمحامي في إعداد الملفات القانونية للمرافعة أو التحكيم.
٥ _ اختيار محكمين غير مؤهلين من قبل الجهات الحكومية، على أسس شخصية وليس مهنية.

والمفارقة أن رد الفعل على هذه الإخفاقات لم يكن تصحيح المسار، بل اللجوء إلى إصدار وثيقة قياسية جديدة تفرض معظم الأعباء على المقاول، لتصبح المسؤولية القانونية والمالية والتخطيطية بأكملها عليه، في انقلاب صريح على جوهر عقد المقاولة الموحد.
لقد تم إفراغ العقد من محتواه المتوازن، وتحول من علاقة تعاقدية قائمة على الشراكة والمسؤوليات المتبادلة، إلى علاقة سلطوية تفرض فيها الجهة الحكومية شروطها وتُمارس الترهيب من خلال الفسخ والتسييل ورفض الدفع، مع تغييب شبه تام لدور لجان فض الخلافات أو التسويات الودية.

فمتى تصحو؟
الجهات الحكومية ليست سلطة آمرة في العقد، بل هي "طرف متعاقد”، يخضع لشروط العقد مثل المقاول. استمرار تجاهل ذلك سيُكلّف الدولة الملايين، وسيدمر ثقة القطاع الخاص في أي شراكة مستقبلية.