حين تقتات الدولة ببيع مواطنيها


برزت في الاونة الاخيرة تسريبات تتحدث عن قيام وزارة الداخلية الاردنية بتحديث تعليمات فك الارتباط مع الضفة الغربية للدولة الاردنية (بالرغم من مرور اكثر من 25 عاما على صدور قرار فك الارتباط) لتشمل اكبر عدد ممكن من الاردنيين من اصول فلسطينية والغريب العجيب في هذه التسريبات انها تزامنت مع زيارة غير متوقعة لوزير الداخلية الاردني في ذلك الحين يرافقه مدير المتبعة والتفتيش الى الضفة الغربية واللذي اجتمع مع مسؤولي السلطة الفلسطينية للتباحث في امور تهم الجانبين
كما تتحدث تسريبات اخرى عن عودة وشيكة للوزير نايف القاضي الى وزارة الداخلية (واللذي ارتبط اسمه للاسف بالتشدد في موضوع سحب الجنسية)
قد يتنبأ بعض المحللين والساسة وتنبلج عقولهم في تفسير هذه المسالة ليخلص بعضهم الى ان هذه التسريبات لاتتعدى كونها محاولة للتفريق بين مكونات الشعب الاردني لتخفيف ضغط الحراك الشعبي خصوصا بعد الكشف عن قانون الانتخاب واللذي ابدى العديد من رموز المكون الغربي للدولة انزعاجهم منه كونه يستثني فئة كبيرة جدا منهم ولايخلق عدالة في التمثيل بين اطياق المجتمع ككل
لكن مالم يلحظه هؤلاء ان عمليات سحب الجنسية في الاردن ابتدات واشتدت منذ اكثر من 10 اعوام (اي قبل الحراك الشعبي وقبل المطالب الاصلاحية وعندما كانت الدولة في اوج قوتها وشدتها وتزامنت مع تسريبات تتحدث عن البدء بمفاوضات الحل النهائي مابين السلطة الفلسطينية والدولة العبرية
ففي 5/10/2002 عقد اجتماع بين مدير عام دائرة الأحوال المدنية والجوازات ومدير المتابعة والتفتيش ومدير ادارة مفارز الجسور ومندوب عن دائرة المخابرات وتم اعتماده من قبل وزير الداخلية بنفس التاريخ وتتلخص بالتالي :

ـ تشمل تعليمات قرار فك الارتباط كل من حصــــل على الجنســــية الأردنيـــة بموجب المادة 3 فقرة 2 من قانون الجنسية وتنص على أنه يعتبر أردني الجنسية كل من كان يحمل الجنسية الفلســـطينية من غير اليــــهود قبل تاريخ 15/ 5/ 1948 ويقيم عادة في المملكة الاردنيــة الهاشمية خـــلال المدة الواقعة ما بين 20/ 12/ 1949 لغاية 16/ 2/ 1954 .

ـ لا تشمل تعليمات قرار فك الارتباط من أحرز الجنسية الأردنية بموجب قانون الجنسية لسنة 1928 ومن أحرز الجنسية الأردنية بالتجنس وبغض النظر عن مكان اقامته.((لاحظو هنا كيف استعانت هذه التعليمات بقانون الجنسية من ايام الامارة علما بان قانون الجنسية بعد الوحدة يلغي ماسبقه من قوانين((فالمقصودون من هذه التعليمات هم المواطنون الاردنيون من اصل فلسطيني فقط))))
كما لم يلحظ احد للاسف كيف تجبر المتابعة والتفتيش الاب الاردني الاصل المتزوج من ام اردنية حاصلة على لم الشمل العائلات ليقوم بتسجيل ابناءه في السجل المدني الفلسطيني..
وايضا لم يلحظ احد بان سحب الجنسية جمد اثناء المفاوضات التي اجراها الاردن للانضمام الى مجلس التعاون الخليجي وفور فقدان الامل بذلك عاد ملف سحب الجنسية ليطفو على السطح مرة اخرى
وبعبارة اخرى يمكن استخلاص ان عمليات سحب الجنسية تزداد وتصبح اكثر شراهة عند :
1- ورود تقارير تتحدث عن قرب التوصل الى حل بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي
2- كلما ازدادت الضائقة المالية التي تعاني منها الدولة
كما ان المتابع لما حوله من اوضاع اقتصادية تعاني منها الدولة الاردنية والازدياد الغريب العجيب في المديونية لتتجاوز سقف ال15 مليار دولار في فترة قياسية(وهذا الرقم مرشح للتصاعد بشكل كبير), والتلميحات السياسية باستبعاد ملف اللاجئين من مفاوضات الحل النهائي بين السلطة واسرائيل والاصرار على المفاوضات رغم ذلك وكأن هناك وعود على اعلى المستويات بالحل ليستخلص امرا واحدا فقط وهو:

ان ملف اللاجئين والعودة الفعلية قد تمت مقايضته بالتعويض المادي للشخص المتضرر والدولة التي عانت من مشكلة اللجوء((وهي الاردن هنا)) وعلى هذا تحاول الحكومات الاردنية المتعاقبة حل الضائقة الاقتصادية بنزع الجنسية الاردنية عن اكبر عدد ممكن من الاردنيين من اصول فلسطينية (علما بان الشخص المسحوبة جنسيته يبقى معلقا في الاردن ولايستطيع الذهاب لاي مكان اخر ) ليصار الى مقايضه حصولهم ثانية على الجنسية الاردنية ببدل مقابل (من الدول المانحة والتي اخذت على عاتقها تامين الجنسية والحياه الكريمة للشخص اللاجيء في مكان اللجوء لابعادهم عن النزاع مع الكيان المحتل) علما بان هذا التعويض قد يكون كبيرا جدا وقد لايمكن تخيله وهو ماتعتمد عليه الدولة في حل مشاكلها الاقتصادية الخانقة

فكل مايثار من ان الاردن يقاوم الاحتلال الاسرائيلي للضفة بنزع جنسية مواطنيه ماهو اللا خديعة ذكية لاكساب قرار سحب الجنسية الصبغة القومية ولكسب تعاطف اكبر قدر ممكن من المؤيدين وبغض النظر عن دوافع هذا التاييد


عبدالكريم مظهر قبلان