الإسْلامُ و (إعْلامُ إثارة العَوام! )



إنَّ الحمدَ لله – تعالى – ، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده اللهُ فلا مُضلَّ له ومَن يُضلل فلا هاديَ له ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمّداً عبدُه ورسولُه .
أما بعد ..

ففي عصر الإعلام المفتوح ( الحرّ ! ) هذا! ؛ انتشرت الفضائيات والمواقع الإخبارية بشكل زائد ( زائف ) ؛ إلى درجة لا يقدر الواحد منّا تتبعها ، ولا اللحاق بها من كثرة الأخبار – في أيامنا هذه – والتي تضاعفت مرّات ومرّات نتيجة حلول ( الربيع العربي ! ) في بعض البلدان ، وتفتح زهوره السوداء القاتمة ! ؛ وفي بلدان أخرى يجري ( العمل ! ) – دءوباً – من أجل ( ريِّ ) الأرض لعلَّ ( الربيع ! ) ينبُتُ ؛ فيقطفون ( ثمارَه ، وأزهارَه ! ) .. و ( دمارَه ) .

والناس لا بدَّ لها من التعبير ، وإبداء الرأي في ( أمور ! ) الأمة الجِسام ، و ( النوازل ! ) التي حلّت بها ، والمصائب العظام ؛ فخرجت – من أجل هذا – ( مواقع إخبارية ) بأسماءٍ وأسماء ؛ ( يذيعون ) فيها – من هنا وهناك – الأخبار والأنباء ، ثمّ يُتاح المجال للمشاركة بالتعليق على الخبر ، وطرح الآراء ؛ فيقول ( من شاء ! ) ما شاء .. !
لا يُؤخذُ – تَنزّلاً – على هذا شيءٌ من الأشياء ..
ولكن ! ألا ترى – أخي – ما تصنعُ ( بعض ) المواقع الإخبارية في سبيل ( استمالة ! ) الناس ، و ( استماتة ! ) الإحساس ؛ من عنوانِ خبرٍ يشدُّك و يحبس الأنفاس ! ؛ ثمَّ إذا طالعت – ذاك الخبر – فلا تجد له (علاقة ) بالعنوان ولا ( مِساس ) ! ؛ وإن كان – ثمّة – فعلى استحياءٍ ، وتلبيس وإلباس .. !
وأما ( المقالات ) التي تتناول – بالنقد والتفنيد – الأخبارَ الخاصّة و العامّة ؛ فحدِّث – بحرجٍ شديد – عن هذه الطامّة .. فهذا يهيّج ويثوِّر ، وذاك يحتج ويصوِّر ، وآخر لرموز ( الفساد ) والحكومات يفضح ! ، وغيره – لمصلحة البلاد – تراه للحاكم ينصح !
ألا ليت – كلّ ذلك – بالعلم ، أو شيء من الحِلْم ؛ لا .. بل ! كثيرٌ ما يكون فيه – من المخالفات الشرعيّة – جهلاً ، و – من المحالفات السياسيّة – ضمناً !
كلٌّ يدعو إلى ما له من ( حاجة ! ) ؛ وبأحسن ( ديباجة ! ) ، ويجمع من ( الأدلة والبراهين ! ) الغثَّ والسمين ؛ فلا يهم ذلك – عنده – في سبيل ( المحاجّة ) ! ؛ فتنازع القوم – بينهم – أمرَهم في ( لجاجة ! ) ..

سيقولون – لك – : ( حريّة الفكر والتعبير ) و ( حريّة الإعلام والتنوير ! )
فنقول : هنالك فرق بين التعبير و ( والتعكير ! ) ، وبين التنوير و ( والتشهير ! )
لاسيّما إذا كان الأمر متعلقاً – أصلاً – بالأمة والبلاد ، وأمن الوطن والعباد ؛ ألا يكون الأمرُ أخطر ؟
ألا تكون العواقب الوخيمة أكثر ؟
بلى ! إنّ إذاعة – أو قل : صناعة – الأخبار بين المسلمين من المسائل والوسائل التي يُستعان بها في استجلاب الخير ، وبثّ العلم النافع بين العوام ؛ فلا يُستهان بها بحجة ( حريّة التعبير والإعلام ) ! ، ونشر ( الرأي العام ) ! ..
و الرأي الهامّ – حول الأمر العام – في الإسلام ( للخواصِّ ) من أهل العلم والأعلام ..
فإنّ ( القلوب ضعيفة ، والشُبُهات خطَّافة ) .. وإذاعة ( أخبار الفتنة للفتنة ) – اليوم – آفة !
يقول الله – تعالى – في كتابه العزيز : { وإذا جاءهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أو الخَوْف أذَاعُوا بِهِ ولَوْ ردُّوهُ إلى الرَّسول وإلى أُولي الأَمْرِ منهُم لَعَلِمَهُ الذينَ يَسْتنْبِطُونهُ منهُم ولوْلا فضْلُ اللَّه عليكُم ورَحمتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيطانَ إلا قليلاً }[ النساء : 83 ]
قال الإمام السّعدي في ( تفسيره ) :
‘ هذا تأديب من الله لعباده ، عن فعلهم هذا ،غير اللائق [ أي : إذاعة الأخبار ] ، وأنه ينبغي لهم ، إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة ، والمصالح العامة ، ما يتعلق بالأمن ، وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ؛ بل يردونه إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] ، وإلى أولي الأمر منهم ، أهل الرأي ، والعلم والنصح ، والعقل ، والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ، ويعرفون المصالح وضدها.

فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطاً للمؤمنين ، وسرورا لهم ، وتحرزاً من أعدائهم ، فعلوا ذلك ؛ وإن رأوا ليس فيه مصلحة ، أو فيه مصلحة ؛ ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه ؛ ولهذا قال : {لعلمه الذين يستنبطونه منهم } ؛ أي : يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة ، وعلومهم الرشيدة .
وفي هذا دليل لقاعدة أدبية ، وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ، ينبغي أن يولي من هو أهل لذلك ، ويجعل إلى أهله ، ولا يتقدم بين أيديهم ، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ .
وفيه النهي عن العجلة والتسرع ، لنشر الأمور ، من حين سماعها ، والأمر بالتأمل قبل الكلام ، والنظر فيه ، هل هو مصلحة ، فيُقدم عليه الإنسان ، أم لا ؟ فيُحجم عنه ؟

ثم قال – تعالى – : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته } ؛ أي : في توفيقكم ، وتأديبكم ، وتعليمكم ما لم تكونوا تعلمون .
{ لاتبعتم الشيطان إلا قليلاً } لأن الإنسان بطبعه ، ظالم جاهل ، فلا تأمره نفسه إلا بالشر ؛ فإذا لجأ إلى ربه ، واعتصم به ، واجتهد في ذلك ؛ لطف به ربه ، ووفقه لكل خير ، وعصمه من الشيطان الرجيم ‘ اهـ كلامه رحمه الله .
قال الإمام الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : ‘ ( وإذا جاءهُمْ أمْرٌ مِنَ الأمْنِ أو الخَوْف ) إنكار على من يبادر إلى الأمور قبل تحققها فيخبر بها ويفشيها وينشرها, وقد لا يكون لها صحّة ‘
أين المحطات الفضائيّة التي تبثُّ من الأرض ( العربيّة الإسلاميّة ! ) من هذا ؟! .. أين ؟!
لقد كان – لبعض ! – تلك الفضائيات ( الإخبارية ) دوراً ( كبيراً ) ، ويكاد يكون (منظماً ) في تأجيج الفتن القائمة الآن في كثير من البلدان الإسلاميّة ؛ تارة بكثرة ( التقارير ! ) و ( البرامج ! ) التي تبحث الفساد في ( دولة عربية ما ) وذلك لضرورة التغيير أو الثورة ( تمهيداً ! ) ، وتارة أخرى – بعدئذٍ – : بثِّ الأخبار عن الثوار ، و الأفكار ( تمجيداً ! ) .
والسؤال : لمَ – ذاك ! – في دولة دون أخرى ؟ في وقت ( قد ! ) تكون الأخرى من ( الفساد ) أعظم ، و من ( البُعْد عن الدين ) أقرب من ( تلك ! ) ؛ فأين حريّة واستقلال الإعلام عند ( أولئك ! ) القوم ؟!
بل : أين أخلاق ( المهنة ) عندهم ؟ الممتهنة منهم ؟!
وأما ( بعض ) المواقع الإخبارية على شبكة ( الإنترنت ) ، وكذا ( بعض ) الصحف والجرائد ! ؛ فهي – في أسلوبها – من تلك الفضائيات مُقاربة ، و – في خطابها – موارِبة !
فتبدو – كأنها – للحقّ مُحاربة ، وإلى ( مع ) الفتن هاربة !
تنشر عن الوطن ( الرذائل ! ) ، و ( تغضّ الطّرْف ) عن الفضائل .. !
تُظهرُ ( دعاة ! ) الفرقة والاختلاف ، وتخفي ( دعاة ) الاجتماع والائتلاف .. !
تُعلي صوتَ الغلوِّ والباطل والنفاق ، وتُخْفِت صوتَ الاعتدال والعدل والإحقاق .. !
ناهيك عن المقالات التي تُنبتُ الفتن بين ( المسلمين ) المتآخين في النسب والدّين ..
هؤلاء هم !
وهذه ( السبيل ! ) للإصلاح عندهم ! نسأل الله – تعالى – هدانا وهداهم …
و والله ! لا ( نطمعُ ) أن يكون القائمون على تلك المواقع والمحطات من أهل العلم والفقه والدراية ؛ ولكن لا أقلَّ من العدل والإحسان ( وهما : التوسط وعدم الإفراط أو التفريط ) و اللذين أمر الله بهما في كتابه الكريم ؛ وأحوج ما نكون إليهما – اليوم – حيث ظهرت الفتن ؛ فمن أعان على ( إعمالها ) بين المسلمين – ولو بشطر كلمة – لقي من الله يوم القيامة العذاب و العقوبة ، ومن أعان على ( إخمادها ) كان له من الله الأجر و المثوبة .
خاتمة :
إنّ الكلمة إذا صَدَرت رُصِدت ..
يقول الله – تعالى – : { إذ يَتلقّى المتلقيانِ عَن اليمين وعَن الشّمال قَعيد ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عَتيدٌ } [ ق:17- 18]
وقال رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – : ‘ إنّ الرجل ليتكلم بالكلمة – من رضوان الله – ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإنّ الرجل ليتكلم بالكلمة – من سخط الله – كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ‘ [ السلسلة الصحيحة ]
قال – تعالى – : { إنّ إلينا إيابهُم ثمَّ إنّ علينا حسابَهم } [ الغاشية : 25- 26 ]

{ إنَّ هذه تَذكرة فَمن شاءَ اتّخذ إلى ربّه سبيلاً } [ الإنسان :29 ]

أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وأسأله – تعالى – أن يجعل بلدنا آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين ، وان يوفق وليَّ أمرنا لما فيه خير البلاد والعباد .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

سعيد النواصره