الحسن زار الخصاونة في منزله وأفطر معه والرئيس أصر على إقالة الفريق المجالي

اخبار البلد
كانت اجهزة الدولة ودوائرها تعقد الأجتماع تلو الاخر وتواصل تقديم ودراسة كافة الخطط التي وضعتها الأجهزة الأمنية تحسبا للاحتفالات المنوي أقامتها في مدن ومحافظات المملكة احياء لذكرى هبة نيسان...أسابيع عدة مضت في جمع المعلومات وفلترتها وإعداد خطط الطوارىء اللازمة لاحتوائها او ضمان عدم خروجها عن السيطرة على الاقل. يوم الاربعاء كان كل شيء يوحي في عمان بأن الامور تسير في الاتجاه المطلوب،فجلالة الملك عاد من رحلته الخاصة ،ورئيس الوزراء في زيارة رسمية الى تركيا، والأجهزة الأمنية أنجزت خططها الرئيسية والخطط البديلة لمواجهة اي طارئ ، الا ان ليل الأربعاء كان بخلاف نهاره، حيث ازدادت فيه حركة ألاتصالات الهاتفية ما بين عمان وإسطنبول لتطويق قنبلة ينوي تفجيرها رئيس الوزراء الاردني القاضي عون الخصاونه في حضن الدولة تزامنا مع هبة نيسان ...هل هي مصادفة؟ - تساءلت الأجهزة الأمنية- ام ان الرجل قد اختار هذا التوقيت لارباك الأجهزة الأمنية ومؤسسات الدولة من جهة وتسجيل موقف " بطولي" امام الشارع من جهة اخرى!!
الحكاية من اولها:
حينما اقنع رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي جلالة الراحل العظيم الحسين بن طلال بتعيين صديق عمره ورفيق دراسته عون شوكت الخصاونه رئيساً للديوان الملكي في العام ١٩٩٦ كان الكباريتي يطمح في ان يوفر له ذلك التعيين ممارسة ولايته العامه بمفهومها الشامل دون الاصطدام بالقصر او بمؤسسات الدولة الاخرى وخصوصا دائرة المخابرات العامة التي ترأسها آنذاك الجنرال سميح البطيخي صديق الكباريتي أيضاً وصهره لاحقا. ورغم التباين في وجهات النظر في اكثر من محطة ما بين الكباريتي وعون الخصاونه الا ان القاضي الشغوف بالتأريخ والشعر اختار ان ينأى بنفسه عن الوقوف في وجه رئيس الوزراء او العمل ضده تحت اي ظرف كان ،حتى اثناء ذروة الاختلاف التي وصلت الى حد القطيعة ما بين صديقي العمر،إيمانا من الخصاونه بأن رئيس الوزراء هو صاحب الولاية العامة وأن منصب رئيس الديوان الملكي يختلف كلية في مهامه عن منصب رئيس الوزراء.
غادر الكباريتي الدوار الرابع بعد أن أقيلت حكومته بطريقة غير مسبوقة وبكتاب ملكي غير مسبوق وبحملة إعلامية غير مسبوقة أيضاً وترك الحكم على الحقبة الكباريتية الى التاريخ الذي أظنه سيسجل للكباريتي اكثر مما عليه،،وغادر مع الكباريتي أيضاً رئيس الديوان الملكي عون الخصاونة الذي ابتعد تماماً عن الأضواء وتفرغ لقراءة التاريخ والشعر والاهتمام بمزرعة الزيتون قبل ان يلتحق بالمحكمة الدولية في لاهاي ويصبح نائبا لرئيسها في سابقة كانت مصدر فخر للأردن والعرب.
في السادس عشر من تشرين اول عام ٢٠١١ كان جلالة الملك عبدالله يستعرض في قصر البركة خياراته السياسية في ضل تصاعد الاحتجاجات الشعبية وترنح حكومة البخيت وعجزها عن مواجهة الشارع والبرلمان،فأمسك جلالته سماعة الهاتف خلافا للبروتكول المتبع في تكليف رؤساء الوزارات،واتصل هو شخصيا وبدون اي وسيط بالقاضي الدولي عون الخصاونة وناقش معه التطورات السياسية في المنطقة، وعلى اقتضابه الشديد في الكلام الا ان جلالته أصر ان يسمع من الرجل تصوره للخروج من الأزمة بأقل الخسائر في الأردن، وانتهت المكالمة الهاتفية بافصاح الملك انه اختار الخصاونة لرئاسة الوزراء في هذه المرحلة معطيا جلالته للخصاونة المتردد مهلة ٤٨ ساعة للرد.
قبل الخصاونة التكليف ورصدت الأجهزة الأمنية اتصاليين أجراهما الخصاونة مع شخصيات بعينها في عمان قبيل إعطاء موافقته لجلالة الملك بعدة ساعات، وهو الامر الذي مهد للإعلان عن تكليف الخصاونة رسميا في عمان وإعطاء الماكنة الإعلامية فرصة الحديث عن نزاهة واستقامة الرجل باعتباره رجل المرحلة وعنوانا للنزاهة ومكافحة الفساد الذي تصاعدت مطالبات الشارع به.
رفض الرجل العائد حديثاً من هولندا كل الاسماء التي تم الإيحاء له بها وتمسك هو بتشكيل حكومته واختيار اعضاء فريقه الوزاري بعيدا عن جهاز المخابرات والقصر الملكي، وبدا من التشكيلة الوزارية انها جاءت مخيبة للآمال ولم تكن بحجم الطموح والآمال التي بناها عليه الشارع الملتهب،لا بل ان التركيبة الوزارية جعلت معظم مراكز القوى والخصوم التقلييديين لأي قادم جديد الى نادي رؤساء الوزارات يتنفسون الصعداء ويتنبأون بقصر عمر الحكومة وفشل تجربة استقدام رؤساء من خارج تلك النخب التقليدية.
الخصاونة "الصوفي الحالم بالمملكة الفاضلة" الذي رفض ان يقيم في "قصر الحكومة" المخصص لرؤساء الوزارات وفضل ان يقيم في بيته المتواضع ما بين الدوار الثالث والرابع في جبل عمان ،كان يعتقد ان معظم الحراكات المسيسة في عمان والتي تطالب بتعديلات دستورية وقانون انتخاب وأصلاحات سياسية لا تمثل بالضرورة الشريحة الواسعة من المواطنيين التى انهكها الفقر والبطالة وترى ان مكافحة الفساد والمحسوبية وإقامة العدل واستعادة الولاية العامة للحكومة لها الأولوية على ما سواها، ولهذا بدأ برنامجه على هذا الأساس مما أعطى فرصة لأصحاب الأصوات العالية ان يعلو صوتها على ما سواه ويظهر الرجل في مظهر الضعيف والمتباطيء وقليل الإنجاز وضعيف الخبرة،فتعالت الأصوات المنددة به وبحكومته، والمطالبة برحيله من الدوار الرابع.
تحمل الرجل بصبر كل تلك الامور ووضع نصب عينيه أولوية قصوى لمكافحة الفساد وتقديم كل من تدور حولهم الشبهات الى القضاء،فاصطدم بالحيتان وبمراكز القوى، مما ًاخر قراراته وأجلها ،الى أن نجح في تحويل اولى ملفاته الى القضاء، وهو ملف مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي ،الذي كان مجرد وقوفه امام المدعي العام ضرب من الخيال في نظر للكثيرين.
واثناء انشغاله بقضايا الفساد كان الخصاونة يعمل على جبهة أخرى وهي جبهة استعادة الولاية العامة، فكانت اولى معاركه مع القصر حينما اتصل برئيس الديوان الملكي وطلب منه عودة موفده من الطريق اثناء ذهابه الى الرمثا لتطويق حادثة مقتل احد المواطنين على يد أفراد من الشرطة، معتبرا ان الامر هو من صلب سلطات الحكومة ورئيسها باعتبار ان جهاز الشرطة يتبع لوزير الداخلية الذي يتبع بدوره الى رئيس الوزراء وزير الدفاع.
توالت صدامات الخصاونة مع القصر في اكثر من مناسبة،وفي اكثر من حادثة ،وبدأ وزير إعلامه راكان المجالي يدخله في معارك جانبية مع المواقع الإعلامية ومع صحفيين وكتاب بالإضافة لتصفية حسابات خاصة بين راكان ومستشار الملك الإعلامي امجد العضايلة الذي تم تعيينه سفيرا في الخارجية،فتوسعت دائرة أعداء الرجل والجبهات التي يحارب عليها ،وبدأ كتاب التدخل السريع في فتح معارك مع حكومته واختلاق قصص الفشل لحكومته والطخ من خلال علاقته بالأسلاميين، في حين كان مجلس النواب وبتوجيهات معينة يغرق حكومته بالأسئلة والاستجوابات ومذكرات حجب الثقة عن بعض وزرائه،مما انهك الحكومة واستنفذ وقتها وجهدها.
ركز الخصاونه جل وقته على ملفات الفساد ورفع من سقف مطالباته بعد ان استشعر محاولات وضعه في الزاوية، فتجاوز الخطوط الحمر بفتحه ملف شركة الفوسفات الذي طالت التهم فيه زوج الأميرة بسمه عمة الملك والمرأة القوية في نظام الحكم ، وبدأ الرجل يقترب اكثر فأكثر من نهايته حينما أصر على فتح ملف يطال شخصيات ورموز لم يحن الوقت لمحاسبتها.
انقطعت الاتصالات ما بين القصر والخصاونة في الأسبوعين الذين سبقا الاستقالة المفاجئة، فكان الملك يخاطب رئيس وزرائه عبر وسيط،.
وخلال الأسبوعين الأخيرين نسب الخصاونة بعدم تمديد الدورة العادية لمجلس الامة، وطالب الرجل بدورة استثنائية، بجدول اعمال محدد،وكان قد أحال الى مجلس النواب قانون انتخاب لم يرضى عنه في مقابل السماح له بتقديم شخصيتان رئيسيتان للقضاء....تدارس الملك طلب الخصاونة مع بعض اعضاء الأسرة،وكلف جلالة الملك عمه سمو الأمير الحسن بن طلال بزيارة الخصاونة ومناقشة كافة الامور معه،ففاجأ سمو الامير الخصاونة بزيارة منزله في السابعة صباحا وتناول معه طعام الإفطار وناقش معه بصراحة ووضوح كافة الامور، وبدا واضحا من الطريقة التي غادر بها سمو الامير انه لم يكن مرتاحا أبدا لردود الخصاونة وان زيارته قد فشلت ....
تسارعت وتيرة الاحداث وقام مدير الأمن العام حسين المجالي بزيارة الى القدس المحتلة بواسطة مروحية عسكرية ،فاستشاط الرئيس غضبا مما اسماه ب "التطبيع المجاني "ومن تبذير أموال الدولة على زيارة قال مدير الأمن العام انها زيارة شخصية، فنسب الخصاونة باعتباره وزيرا للدفاع اضافة الى موقعه كرئيس للوزراء بإقالة مدير الأمن العام مما ضيق من خيارات القصر للتعامل معه .
قبيل سفر الخصاونة الى تركيا كان الرجل دائم الاتصال بالقصر لمعرفة اسباب تأخر صدور الإرادة الملكية على فض الدورة العادية لمجلس الامة وعقد دورة استثنائية، وكذلك قرار إقالة مدير الأمن العام، لكن اتصالات الرجل كانت تصطدم بعبارة بانتظار الوقت الملائم.
يوم الأربعاء ،اي قبيل مغادرة الخصاونة متوجها الى تركيا وصل الى مكتب الرئيس مدير مكتب جلالة الملك السيد عماد فاخوري حاملا توجيهات من جلالته الى رئيس الوزراء حول المواضيع التي سيتم بحثها في تركيا وخصوصا الموقف الاردني من الوضع في سوريا ، فما كان من الرئيس الا ان طلب من فاخوري ان يعود من حيث أتى لان الرجل الثاني في الدولة لا يتلقى تعليمات من موظف في الديوان الملكي وهو الامر الذي جعل نهاية الخصاونة "قاب قوسين او أدنى".
اثناء غياب الخصاونة تم استدعاء نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية الى القصر وتم توقيعهما على نص الإرادة الملكية للتمديد لمجلس الامة، وهو الأمر الذي عرف معه الخصاونة ان حكومته قد انتهى عمرها فقرر ان يبادر بالرد وطلب من احدث وزرائه حمل رسالة استقالته الى الديوان الملكي ، منهيا بذلك جدلا استمر عدة اشهر عن الولاية العامة وصلاحيات رئيس الوزراء ، مرددا عبارة "ما اشبه اليوم بالبارحة" وهو يتلقى كصديقة السابق عبد الكريم الكباريتي رسالة ملكية غير مسبوقة وهجوما إعلاميا غير مسبوق ،تاركا للتاريخ أيضاً الحكم اما له وأما عليه ؟!!.