انّ استقالة الخصاونة
وتشكيل حكومة رابعة خلال مدة قصيرة يدلل بشكلٍ واضح وجليّ على عمق المأزق
السياسي الذي تعاني منه الدولة الاردنية, والذي يجب ان يكون محلّ تركيز
الانظار وإعمال العقل الجمعي وإدارة الحوار المجتمعي, بكلّ جديّة وبأقصى
سرعة مع ضرورة التحلّي بأعلى درجات تحمّل المسؤولية.
يجب البدء بالاعتراف بالخطأ اولا, ومن ثمّ تحديد الخطأ وتشخيصه وبعد ذلك
التعاون على تصحيحه وتجاوزه حتى لا نبقى جميعاً اسرى للتقليد والروتين
الممل من خلال الاصرار على المعادلة السياسية السابقة ونتائجها بكلّ
اطرافها ومفاصلها ورجالاتها ومؤسساتها, دون تغيير جوهري وحقيقي, ممّا يجعل
الجهود المبذولة عبارة عن ضرب بحديد بارد, ممّا يؤدي الى سير الاوضاع نحو
مزيد من التردي والتراجع المفضي لا سمح الله الى عواقب وخيمة لا يرضاها
جميع العقلاء.
انّ الخلل الجوهري في المعادلة السياسية القائمة, يتجلى في اغفال دور الشعب
الحقيقي في صناعة القرار السيادي, القائم على دوره الاصيل في العمل
والانتاج, ممّا يستوجب اعادة الاعتبار الجدي للشعب في حقه الدستوري الذي
يقتضي اختيار اصحاب المسؤولية ومن بينهم رؤساء الحكومات والتمكن من
محاسبتهم ومراقبتهم بشكلٍ فاعل ومباشر اعتماداً على القاعدة الصريحة
القائلة "الشعب مصدر السلطات", وهذه القاعدة ليست محلا للخلاف عند كل بني
البشر المتحضرين وغير المتحضرين.
انّ محاولة الاصلاح من خلال المعادلة المختلّة نفسها, لن توصلنا الى الهدف
المنشود مهما كانت شخصية الرئيس ومهما كانت نواياه مخلصة وجادة, ومهما كانت
سوية فريقه ومدى جديتهم وأهليتهم بغض النظر عن الخارج او القادم, لذلك يجب
اصلاح المعادلة نفسها اولا, التي تسمح بظهور الفساد في مواقع المسؤولية
الكبرى, وتسمح بايجاد مجلس نواب ضعيف ومختل غير قادر على حمل رسالة الاصلاح
ومحاربة الفساد; لانّه بذاته عبارة عن نتاج معادلة مختلّة, اسهم اسهاماً
كبيراً في تردّي الاوضاع وترعرع الفساد ونجاة المفسدين.
اصلاح المعادلة اصلاحاً جوهريّاً, يتمثل بتغيير منهجية اختيار الرئيس
ومنهجية تشكيل الحكومة, التي يجب ان يتمّ اختيارها وفقاً لبرنامج سياسي
مطروح ورؤية سياسية معلنة للشعب مسبقاً يتمّ اختيارها على بصيرة واضحة,
وخطة مفصلة مطروحة لادارة الدولة بشكلٍ شامل وكامل دون تدخل او انتقاص لمدة
اربع سنوات كاملة, ومن ثمّ يعاد محاكمتها ومحاسبتها بعد اكمال برنامجها.
والحقيقة الثانية انّ الاصلاح لا يقوده الا المصلحون, المعروفون برؤيتهم
الاصلاحية ومنهجهم الاصلاحي, وتاريخهم وسيرة حياتهم تشهد لهم بذلك,
فالاردنيون يعرفون بعضهم جيداً وعندهم الحاسة القوية التي من خلالها يحكمون
على الرجل وفريقه انّه من اهل الاصلاح والتطوير والنظرة الابداعية القادرة
على البحث عن الجديد ومدى حرصه على ايجاد الديمقراطية وتجذيرها, امّ انّه
شخصية تقليدية بيروقراطية, لا تؤمن بالاصلاح ولا بالتغيير, امّ انّه عدوٌ
للاصلاح وعدوٌ للمصلحين وعدوٌ لكلّ ما هو حديث ومتطور في عالم السياسة
وإدارة الشعوب.
الوقت قصير وقصير جداً لا يسمح بتكرار التجارب الفاشلة, ولا يسمح بالتغافل عن جوهر المرض وموطن الداء.