العقل والربيع العربي

قد صار عندنا ثقة عالية بعقولنا حيث جربنا هذه العقول بالتحليل والاستنتاج لكل الأحداث التي دارت حولنا، وعلينا، فصرنا نعرف إلى أين تتجه الأمور مع كل حدث، وفي أية منطقة، وصرنا نعرف كيف يفكر الأمريكان والأوربيون، وكلهم أوربيون أصلا لهم طبيعة عدوانية، وهم أسرع الناس فواقا من مصيبة، ونعرف كيف يفكر اليهود، ومطاياهم من الزعماء العرب الذين يفاخرون بأن قبلهم اليهود مطية لهم لبقاء " الكريسي" الهزيل الذليل... وما أن جاء الربيع العربي فكانت المفاجأة العقل يعمل لكنه يخطئ، يحلل، ويستنتج لكن الاستنتاج خاطئ.

قبل مئة عام قال أبو القاسم الشابي الشاعر التونسي " إذا الشعب يوما أراد... وكان الشعب التونسي أول شعب عربي يقول الشعب يريد، وكان أول الهاربين بن علي، وسأل العقل من بعده فيجيب العقل أيضا علي عبدالله صالح، وهنا حدثت المفاجأة الثانية انه حسني مبارك... غير معقول، ثمانية عشر يوما... الجيش لا يتدخل... كنز اليهود في خطر.. غير معقول، نعم انه غير معقول هذا الذي يحدث ألان، يسأل العقل من بعده فأجاب العقل .. علي عبدالله صالح.. وكانت المفاجأة الثانية انه معمر القذافي... غير معقول.. نعم انه زمن "غير المعقول".. ثم من بعده، وهكذا دواليك..

نقول هذا البلد لا لأسباب يذكرها العقل، ويؤمن بها، وهذا الزعيم لا لأسباب يعلمها العقل، ويؤمن بها، ثم يحدث ما لم يتعود عليه العقل.. لم يذكر احد سوريا.. لان العقل يقول سوريا دولة ممانعة " ليس لها معاهدات مع العدو الصهيوني... ليس عليها مديونية... فيها خيرات هائلة مثل القمح والقطن والبترول والفواكه وكل شيء.. ثم انه معروف أن الشعب السوري لا يستطيع أن ينبس ببنت شفة على النظام أصلا.. فاخطأ العقل هنا مرة أخرى، ويقول العقل الآن هذه الثورة أجدر أن تكون في الأردن وليس في سوريا، لان النظام الحاكم له معاهدات مع العدو، وشعبه فقير، ولديه بطالة عالية، ومديونية عالية، وفساد عالي، وعشائر مهمشة، وأراضيهم منهوبة، وينسق امنيا مع اليهود، والأمريكان ضد المقاومة العربية، والإسلامية، وينفذ عمليات مثل مقتل أبو مصعب الزرقاوي في العراق، ومقتل البلوي، واحد افر اد الاسرة الحاكمة في أفغانستان هذا ما يقوله العقل.. العقل الذي وثقنا فيه كثيرا، ولكن الحال تغير.. من الذي يعمل إنها جهة خارجية.. إنها جهة خارجية، ولكنها هذه المرة من خارج الأرض إنها السماء، ويبدو انه منذ عام 1400 هجري بدأ التحول بالربيع الإيراني، وان نمطا جديدا يجب أن نسير عليه بدل النمط الحالي الذي مفاده بأن ما تريده الطبيعة العدوانية لليهود، والأمريكان، والأوربيون صار يصطدم بإرادة أقوى، وعلى العقل أن يبدأ التحليل، والاستنتاج على أسس جديدة حتى لا نبقى نقول إن هذا زمن (غير المعقول).