الرسالة الملكية وطرفا الإصلاح

اخبار البلد 
قرأت رسالة جلالة الملك الى رئيس الوزراء المستقيل د. عون الخصاونة، بعين برلمانية. وكنت أقرأ النقد الملكي لحكومة د. الخصاونة على أنه نقد لأداء مجلس النواب أيضا.
يقول الملك "لا فض فوه": "تابعت طيلة الشهور الماضية أعمال الحكومة... وكنت آمل أن تكون الحكومة أكثر فاعلية ونشاطا في إنجاز تلك القوانين (الإصلاحية)، بالتعاون مع مجلس الأمة (أقرأ النواب). لكن سمة التباطؤ والمراوحة ظلت هي السائدة... مع الأسف كانت تعطى الأولوية لبعض القوانين على حساب قوانين الإصلاح".
واضح وجلي أن النقد هنا يطال طرفي التعاون المفترض: الحكومة ومجلس النواب.
كلنا يذكر كيف كان مجلس النواب يرفض إعطاء قوانين الإصلاح صفة الاستعجال، وأضاع أكثر من أربعة أشهر لإقرار "قانون ونصف القانون" من قوانين الإصلاح السهلة وغير الخلافية. وهو الذي أعطى أولوية المناقشة لقانون الغذاء والدواء المؤقت على حساب مشروع قانون الأحزاب، رغم أن قانون الغذاء والدواء هو قانون مؤقت مطبق منذ ثمانية أعوام، ولا يوجد مبرر أو مسوغ للتعجيل في تحويله إلى قانون دائم، وإضاعة الوقت في أربع جلسات لإقراره. لم نسمع من الحكومة حينها طلبا في الجلسة لإبقاء الأولوية لمناقشة قانون الأحزاب الذي كان معروضا على جدول أعمال الجلسة ذاتها وكانت له الأولوية في النقاش. وكان الأجدر بالحكومة أن تطلب من مجلس النواب مع كل قانون إصلاحي ترسله، إعطاءه صفة الاستعجال؛ بمعنى أن يوضع "على النار" ويعطى أولوية البحث على غيره من القوانين. وهذا لا يعني أبدا "السلق" أو "التسرع"، كما كان يبرر منظرو التسويف لرفض صفة الاستعجال.
يسأل د. الخصاونة، وفي أكثر من مناسبة، بحيرة وبنبرة استنكارية: أين تباطأت الحكومة؟ ألم تلتزم بالمواقيت التي أعلنتها أمام مجلس النواب لتقديم قوانين الإصلاح في جلسة الثقة ونالت الثقة على أساسها؟
المشكلة تكمن أساسا في المواقيت يا دولة الأخ والصديق. فقد تعاملت مع ملف الإصلاح السياسي "بالقطعة"، وبتراتب زمني متناسق شكلياً من حيث المدد الزمنية، لكنه "مُقطع" إرادويا بلا مسوغ سياسي. وأجلت قانون الانتخاب، عصب العملية الإصلاحية وجوهرها، إلى ربع الساعة الأخير، بدل أن تبدأ به وتبني عليه قوانين الإصلاح الأخرى، أو/ وتعطيه مساحة زمنية كافية للحوار والجدل، على أمل الوصول إلى القانون الأنسب في هذه المرحلة.
القوانين الإصلاحية الأخرى جميعها قوانين فنية، مفاصل الخلاف السياسي فيها محدودة. وكان يمكن للحكومة الفائضة بالوزراء القانونيين الأكفاء (4 وزراء)، وفوقهم خبرات الرئيس المميزة وجيش من المستشارين والخبراء الحكوميين، أن تنجز مهمة إعداد تلك القوانين في زمن قياسي، أقل بكثير مما صرف من الوقت، خاصة وأن الملك والشارع يضغطان من أجل التقدم في الإنجاز على طريق الإصلاح الطويلة.
والأهم من هذا كله، أنه كان يتوجب عليك، يا دولة الرئيس، تبني درجة عالية من "التعاون" مع مجلس النواب، كما أشار الملك في رسالته الجوابية لك؛ مع الذين كانوا حريصين كل الحرص على نجاحك على الأقل. لكنك استسلمت لمزاج التباطؤ والتراخي والترهل النيابي، بدل أن تضع رئاسة المجلس والمكتب الدائم والكتل النيابية أمام مسؤولياتها. فالتنسيق والتعاون بين السلطات الدستورية واجب على الجميع، وليس منّة من أحد.
لقد تركت مجلس النواب في العراء، يؤثر غيرك في مساره وأولوياته. و"غيرك" هم كثر من أصحاب المصالح الذين كان جل اهتمامهم طي ملفات الفساد بأي طريقة كانت. فكانت النتيجة أن نجح مجلس النواب في مهمة طي ملفات الفساد، وأخفق في دعم المسار التشريعي للإصلاح، وكنت أنت الضحية.
لقد كنت حياديا في أحايين كثيرة، واخترت طريق العلاقات العامة مع النواب، بدل العلاقات السياسية، فنلت احترام النواب "واستكففت شرهم"، وهذا إنجاز لا يعتد به كثيرا لأن الأمور تؤخذ بخواتيمها.
bassam.haddahdin@alghad.jo