الخصاونة يودعنا في أحسن حال!

اخبار البلد 
عندما يحصل تغيير حكومي، وما أكثره في الأردن، ينصرف اهتمام الأوساط الإعلامية والسياسية عن الحكومة المستقيلة، وتتركز الأنظار على الرئيس المكلف والحكومة الجديدة.

هذه المرة، بدا الأمر مختلفا، بسبب الطريقة الغريبة التي استقال بها رئيس الوزراء عون الخصاونة، ورسالة الملك التي حملت انتقادات غير مسبوقة للحكومة المستقيلة.منذ أن شكل الخصاونة حكومته قبل ستة أشهر، تنبأ مقربون منه بخروجه المثير، وقالوا في حينه إن الخصاونة، وبحكم شخصيته، سيقطع الحبل في منتصف الطريق، ويغادر موقعه غير مبال بالنتائج والتبعات.

صحت التوقعات للأسف، لا بل وأسوأ منها! فللمرة الأولى، يقدم رئيس وزراء على تقديم استقالته وهو خارج البلاد، في انتهاك خطر للأعراف والتقاليد الدستورية والسياسية. كان على الخصاونة، بعد أن حزم أمره على الاستقالة، أن يركب أول طائرة ويعود إلى عمان ليقدم استقالته، فزيارته إلى تركيا مجرد نشاط بروتوكولي، وليست لأمر طارئ يهم مصلحة الأردن. لكنه تصرف بطريقة تجرح كرامة كل مواطن أردني، وكرامة وزراء حكومته الذين علموا بالاستقالة من وسائل الإعلام، بعدما تصدوا لنفي الخبر في البداية. ولهذا، لم يتردد بعض المراقبين والصحفيين بمقارنة استقالته بهروب رئيس الوزراء الأردني محمد داود في "السبعين".
إنه لأمر غريب حقا؛ فصاحب أهم موقع في الدولة بعد الملك يستقيل بهذه الطريقة، كما لو أنه يترك رئاسة شركة وليس حكومة تدير البلاد.

لا شك أن الخطوة تنطوي على استخفاف بالمنصب العام والمسؤولية الوطنية، لكن وجهها الآخر يكشف أزمة عميقة في النظام السياسي، تؤكد من جديد أن الاستمرار في إدارة البلاد بهذا الأسلوب لم يعد ممكنا، ولا بد من إصلاح شامل لبنية النظام وأسلوب تشكيل الحكومات واختيار الرؤساء، وتلك هي أولويات الإصلاح السياسي.لكن بالعودة إلى استقالة الخصاونة، فإن في نص رسالته التي يسرد فيها "إنجازات" حكومته ما يثير السخرية حقا. يقول في رسالته: "لا شك بأن بلدنا أحسن حالا اليوم مما كانت عليه قبل ستة أشهر"، ويعني قبل استلامه المسؤولية.

من يصدق مثل هذه الترهات؟ الحراك الشعبي اتسعت رقعته في الأشهر الستة الماضية، وارتفع سقف شعاراته، والنشطاء الشبان تعرضوا للاعتقال والتنكيل في عهد حكومة الخصاونة، وقانون الانتخاب الذي لم يرق إلى طموح الرئيس كما يقول، لم يجد جهة واحدة تؤيده في الشارع، حتى الحكومة نفسها صارت تشتبه بدستوريته بعد أن أقرته.

وفي عهده، أغلقت أخطر ملفات الفساد، ولم نسمع من الحكومة اعتراضا واحدا.ألم يكن ما جرى مع شباب الحراك تحت شباك مكتبه، والضغوط التي تدّعيها الحكومة فيما يخص قانون الانتخاب، والتدخلات الأمنية في شؤونها، أسبابا أكثر وجاهة للاستقالة من تلك التي دفعت بالرئيس إلى الاستقالة من تركيا؟!بلدنا أحسن حالا؟ كيف، والخزينة ترزح تحت وطأة أزمة مالية خانقة بعد أن سجل العجز في عهد حكومة الخصاونة رقما قياسيا غير مسبوق؟أحسن حالا، وحكومته كانت تستعد لاتخاذ حزمة قرارات لرفع أسعار الكهرباء والمحروقات؛ أحسن حالا وحركات الاحتجاج المطلبي تشمل جميع القطاعات؛ أحسن حالا، والصحفي جمال المحتسب موقوف لدى "أمن الدولة" في مخالفة صريحة للقانون لم تجرؤ حكومة القاضي الدولي على منعها.

لسنا في أحسن حال أبدا، ولست متيقنا بعد إن كنا قادرين على مغادرة مربع الأزمة وسط هذا الارتباك والتخبط.