الجيش الإسرائيليّ مأزوم: نقص 10 آلاف جنديّ

تتدحرج الأزمات داخل الجيش الإسرائيلي، الذي يواجه معضلة غير مسبوقة تتمثّل بنقص نحو 10 آلاف جندي بسبب استمرار الحرب على غزّة، وعدم فاعليّة مساعي تجنيد اليهود المتشدّدين (الحريديّين)، وهو ما دفع الجيش لإجراء تعديل يُلزم الجنود النظاميّين بالبقاء بعد انتهاء خدمتهم النظامية 4 أشهر إضافية.

 

سارع جيش الاحتلال منذ السابع من أكتوبر إلى الطلب من الحكومة تمديد الخدمة الإلزامية قانونيّاً إلى ثلاث سنوات، لتخفيف العبء على جنود الاحتياط، في وقت لا يزال حزبا "يهدوت هتوراة” و”شاس” يصرّان على سنّ قانون يمنع "الحريديّين” من الخدمة. ومن شأن تمديد خدمة الجنود خلق أزمة جديدة في الجيش، بعد أزمة توقيع الآلاف من الجنود على عرائض تطالب بإبرام صفقة تبادل مع "حماس” ولو بثمن وقف الحرب، خاصّة في ظلّ شعور الجنود أنّ القتال في غزّة بات يخدم بنيامين نتنياهو وائتلافه اليمينيّ فقط.

نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت صباح الإثنين الماضي عن ضبّاط وجنود بالجيش الإسرائيلي أنّ هناك "تململاً في صفوف الجنود بسبب أمر تمديد الخدمة الإلزامية 4 شهور، لأنّها تفرض كثيراً من التحدّيات وتضرّ بدوافع الجنود الذين ساءت أوضاعهم”.

على وقع هذه الأزمة لا يزال آلاف الحريديّين يرفضون التجنيد ويتظاهرون بشكل مستمرّ ضدّه، وقد شهدت إسرائيل قبل أيّام اشتباكات بين الشرطة والعشرات منهم قبالة مركز للتجنيد في تال هشومير، رفضاً للخدمة ولقرار المحكمة العليا الصادر في حزيران 2024 والقاضي بإلزامهم بالتجنيد ومنع تقديم المساعدات الماليّة للمؤسّسات الدينية التي يرفض طلّابها الخدمة العسكرية.

زاد خضوع نتنياهو لمطالب الأحزاب الدينية من حالة الاعتراض بوجهه. إذ اتّهم زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد حكومة نتنياهو "بالعمل على تحميل جنود الاحتياط أعباء متزايدة بدلاً من تجنيد الحريديّين”، مؤكّداً "وضع حدّ لهذا، ومن لا يتطوّع لن يحصل على شيكل واحد من الدولة”.

بحسب بيان صادر عن الكنيست، فإنّه "من أصل 18 ألفاً و915 استدعاء للخدمة في الأسابيع الماضية، لم يستجب إلّا 232 متديّناً”، بينما شنّ رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بينيت، الذي يعدّ الوحيد القادر على هزيمة نتنياهو في أيّ انتخابات مقبلة حسب استطلاعات الرأي، هجوماً على حكومة نتنياهو ووصفها بـ”الجبانة”، قائلاً إنّ حالة التعثّر التي يواجهها الجيش في قطاع غزّة سببها المباشر سياسة الحكومة، التي تحرم الجيش من أداة الانتصار الأساسيّة، وهي الجنود.

أضاف بينيت: "لم يسبق لإسرائيل أن احتاجت إلى هذا العدد الكبير من الجنود، إذ ينقص حاليّاً 20 ألف جنديّ”، مضيفاً أنّ "مئات الآلاف من العائلات تخشى انضمام أبنائهم إلى الجيش، في حين ينام قطاع الحريديم بأكمله بسلام”، داعياً إلى "وجوب تجنيدهم”.

رأى مراقبون أنّ تفاقم الأزمة داخل الجيش سيؤثّر بلا شكّ على قدرة إسرائيل على توسيع حربها في غزّة كما يهدّد نتنياهو، وعلى النتائج المرجوّة من ذلك، سواء تحقيق ما تريده الحكومة من أهداف، أو تجنُّب الخسائر البشرية وتجنُّب الغوص في وحل غزّة في حرب استنزاف.

اصطدم رئيس الأركان إيال زامير باكراً بوزراء "الكابينت”، عقب الهجوم الذي شنّه وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ومطالبته بتولّي الجيش مسؤوليّة توزيع المساعدات الغذائية في غزّة، وهو ما رفضه زامير محذّراً من أنّ "نقص عدد الجنود قد يحدّ من قدرة الجيش على تحقيق طموحات القيادة السياسية ومخطّطاتها في غزة”.

ترافقت الأزمات داخل الجيش الإسرائيلي والتهديد بتوسيع العمليات في غزة مع معطيات ميدانية مقلقة تمثّلت بتكبّد خسائر بشرية في كمائن نصبتها "المقاومة” أخيراً وأسفرت عن مقتل أربعة جنود في أسبوع، إضافة إلى محاولة أسر 4 مجنّدات بعد استهداف دوريّتهنّ العسكرية.

اتّهم رئيس وزراء الاحتلال الأسبق إيهود باراك نتنياهو بإعلان الحرب على إسرائيل، والعبث بمقدّراتها وخلق ضرر فادح لمكانتها وصورتها، وهو ما يجعلها على حافة هاوية ويجعل ديمقراطيّتها ومكانتها الدوليّة في خطر، مؤيّداً الدعوات إلى إعلان العصيان المدني في كلّ إسرائيل.

قال المحلّل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، عقب مقتل الجنود في غزّة: "كما هو متوقّع، إسرائيل تتورّط في الوحل بغزّة”، متسائلاً باستنكار: "هل هذه طريقة لتحرير رهائن؟ هل يُخضع الضغط العسكري "حماس”؟ ما الذي يجب أن يحدث حتّى نفهم أنّ قادة "حماس” مستعدّون للتضحية بآلاف الفلسطينيين ولن يستسلموا؟ هل يظنّ نتنياهو أنّنا أغبياء؟”.

بدوره حذّر الجنرال في الاحتياط ميخائيل ميليشتاين، في مقال نشرته "يديعوت أحرونوت”، من مغبّة حرب استنزاف مكلفة من دون استعادة بقيّة المخطوفين، في حين قال المحلّل السياسي شمعون شيفر إنّ "نتنياهو يرفض الاستجابة لأهواء الإسرائيليين بإنهاء الحرب واستعادة المحتجزين، وكلّ الذرائع لمواصلة الحرب بجيش متعب غير منطقية، و”حماس” لم تُهزم، بل شرعت في حرب عصابات”.

يبدو أنّ جيش الاحتلال يتريّث حتّى الآن في البدء باجتياح برّي واسع للقطاع لعدّة أسباب تتعلّق بالقوّة والأثمان، وعدم قدرته على سحق "حماس” بالكامل.

"نبيّ الغضب” كما يُعرف في إسرائيل، اللواء المتقاعد إسحاق بريك، قال في مقال نشره في "معاريف” إنّ الجيش "غير قادر” على هزيمة "حماس”، أو إقامة حكومة عسكرية في غزّة. ولذلك يضرّ استمرار القتال بمستقبل الجيش، ويهدّد "إسرائيل” بأزمات اقتصادية واجتماعية خطيرة.

لفت إلى أنّ الجيش الإسرائيلي يعاني نقصاً حادّاً في القوى العاملة النظامية والاحتياطية، وأنّ تقليص عدد الفرق البرّية خلال العقدين الماضيين جعل من الصعب على الجيش البقاء في المناطق التي يحتلّها، أو إدارة معركة استنزاف طويلة. وقال بريك إنّ "حجم الجيش البرّي اليوم حوالي ثلث حجمه قبل عشرين سنة، والجيش غير قادر على التعامل مع شبكة الأنفاق التابعة لـ”حماس”، وهذا أبرز أسباب الفشل”.