اجواء مشحونة

اخبار البلد - عصام القضماني يكتب 
 

(1)
كنت كتبت أمس عن الإعتصامات التي إنحرفت , ولم يكد الحبر يجف حتى جاءت الأنباء سريعا تحمل تفاصيل مؤسفة وقعت في إعتصام العاملين في البوتاس , فقد تحول الإعتصام الى إعتداءات , وشتائم وبلغ الأمر بأن إقتحم بعض الموظفين مكاتب أحد مدراء الشركة لطرده.
حدث ذلك في الفوسفات عندما دخل مجموعة من الموظفين الغاضبين المشحونين بأجواء التحقيقات في الفساد مكتب أحد المدراء التنفيذيين مهددين ومتوعدين ليس بقذفه من مكتبه بل بطرده الى خارج البلاد , وحدث ذلك عندما أغلق موظفون غاضبون أبواب مصنع الإسمنت الأردنية بالجنازير وعندما قطع متظاهرون الكهرباء والماء عن مصنع على الطريق الصحراوي وعندما منع مدراء مؤسسات رسمية من دخول مبانيها , تحت وقع هتافات مطالبة بتغييرهم وبذات الطريقة منع أكثر من رئيس جامعة رسمية من الوصول الى مكتبه وهكذا نسمع ونرى يوميا عشرات الأحداث المماثلة.
لا نرغب في أن يحل العنف في محل الحوار لتحقيق المطالب ولا نريد أن يأتي اليوم الذي نرى فيه في بلادنا حكايات مماثلة كنا نسمع في أيام القذافي في عهد حكمه السعيد تحت عنوان « الزحف الاخضر « عندما كانت الجماهير تزحف على الدوائر الرسمية والشركات , وأول الواصلين يصبح مديرا بعد قلع المدير القائم .
(2)
كما يبدو , سيواجه قرار الحكومة المرتقب بشأن التعرفة الكهربائية موجة جديدة من الإحتجاجات , كما واجه قرار سابق تراجعت عنه الحكومة سريعا , وأخشى أن يواجه القرار المرتقب ذات المصير ويتم إرجاؤه , قبل أن يصبح شعارا في مسيرات الجمعة التي فيما يبدو لا يزال محركوها في رحلة البحث عن عنوان .
أطرف ما سمعت من جانب المعارضين لقرارات تصحيحية بمثل هذا الحجم المتعلق بمواجهة عجز الموازنة وتحميل الشرائح القادرة عبء الدعم , هو في ربطها بقضايا الفساد المزعومة حتى اللحظة , فهناك من يرفض المس بالتعرفة الكهربائية أو بالمحروقات أو حتى برغيف الخبز مقابل إستعادة الثروات المنهوبة على حد تعبيره ! .. بينما لم أسمع شخصيا الى من يعطينا مبررا إقتصاديا صحيحا لرفض تصحيح تشوهات الدعم ومواجهة إنقطاع الغاز وإرتفاع أسعار النفط أو حتى تقديم بدائل مقنعة للعودة عن القرار .
(3)
طوى مجلس النواب ملفات شغلت الرأي العام على مدى عام كامل في سياق حملة التحقيقات المحمومة لمكافحة الفساد ... ومعظمها قضايا إقتصادية , بدأت بالخصخصة والفوسفات تحديدا مرورا ببرنامج التحول الإقتصادي , والكازينو وأخيرا سكن كريم لعيش كريم .
لا أعرف حقيقة إن كان هناك فساد في هذه القضايا أو العكس , لكنني أحترم الأغلبية النيابية التي قررت أن القضايا لم ترق الى مستوى الجريمة , لكن ما يهمني في هذا الأمر هو الإصرار على أن جرم الفساد قد أرتكب في هذه القضايا , التي قد يكون جل الأمر فيها هو « شعور إنطباعي « على حد تعبير رئيس وزراء سابق , وأن هذا الإنطباع يجد تغذية قوية في بعض إتجاهات الشارع , الذي بات يريد إثبات واقعة الفساد بأي ثمن .
ستجد الحراكات الأصيلة والمتنقلة فيما حدث عناوين جديدة تزيد من وتيرة الأجواء المشحونة التي غلب فيها الشك , براهين الثقة , التي إهتزت عندما لم تجد السياسات الإقتصادية التي طبقت على مدى عقد مضى من يدافع عنها كما لم تجد من يناقشها بشكل هاديء وموضوعي فحلت الرغبة في المحاسبة كهدف بحد ذاته.