الجزيرة نت :أجهزة الحكم في الأردن بين فكي السياسة والاقتصاد

كتب الصحفي محمد النجار في الجزيرة نت اليوم:

لم يخف الملك عبد الله الثاني قلقه من الوضع الاقتصادي الذي تمر به بلاده والذي بات أزمة مستحكمة تقلق النظام حتى أكثر من أزمة ملف الإصلاح السياسي الذي أكد الملك مضي بلاده فيه، وذلك خلال حديثه لزعماء عشائر قبل أيام.

وتبدو عمّان في وضع لا تحسد عليه، فأجهزة الحكم تعيش بين فكي أزمات الإصلاح السياسي الذي يطالب به الشارع الضاغط والذي يتصاعد غضبه حتى وصل لرأس النظام، وأزمات الاقتصاد التي حذر وزير المالية أمية طوقان قبل شهرين من دخول الأردن وضعا مشابها لليونان إن لم يسارع للإصلاح.
وحشدت الحكومة الاثنين مجموعة من وزرائها وكبار مسؤوليها للحديث في مؤتمر صحفي والترويج لموجة رفع أسعار جديدة ستشمل الكهرباء والمشتقات النفطية، وهو ما سيؤدي برأي خبراء لموجة غلاء في البلاد ستشمل كل السلع والخدمات مما سيضاعف من الضغط السياسي على صانع القرار الذي يحاول إطفاء غليان الحراك المستمر منذ 15 شهرا.
لكن خبراء سياسيين واقتصاديين يحمّلون صناع القرار مسؤولية الأزمات المتلاحقة وتراكمها، ففي الاقتصاد هناك محاكمة حالية لكل النهج الاقتصادي الذي سارت فيه البلاد طوال عهد الملك عبد الله الثاني منذ عام 1999 وما شابه من ملفات فساد وبيع لأصول الدولة باتت من محركات الشارع الآن.
وفي السياسة يتحدث معارضون ومؤيدون على السواء عن أن كلفة الإصلاح ترتفع يوما بعد يوم وأن ما كان مقبولا للشارع قبل الربيع العربي لا يمكن قبوله بعد أن نجحت الثورات ووصلت للحدود الشمالية للأردن في سوريا.
غياب الرؤية
وبرأي وزير الإعلام السابق والمحلل السياسي طاهر العدوان فإن المشكلة لدى صانع القرار في الأردن أنه "يتعامل مع الأمور بالقطعة دون أن تكون هناك رؤية شمولية".
وقال للجزيرة نت "في الأردن نؤجل حل الأزمات السياسية والاقتصادية حتى تكبر وتتضخم وتصبح الحلول أصعب، فنؤجل الإصلاحات السياسية حتى يصبح من الصعب تحقيق إصلاح حقيقي في ظل مناخ اقتصادي صعب".
ويرى العدوان أن صناع القرار أضاعوا الكثير من الوقت في البحث عن الإصلاح والحوار حوله "مع أنه كان هناك فرصة للحسم في الأشهر الأولى بإصلاحات شاملة وتعديلات دستورية وانتخابات نزيهة وبرلمان يمثل الناس خاصة وأن الأردن لم يشهد ثورة شاملة والناس خرجت للشارع تبحث عن إصلاحات تحت سقف النظام".
ويتهم العدوان "أطرافا في الدولة" بأنها تبني قراراتها على رهانات خاطئة، وأضاف "هناك أطراف تراهن على فشل الإخوان المسلمين في الدول التي وصلوا للحكم فيها خاصة مصر وتونس وبالتالي يكسب الأردن بفشل الإخوان في تلك الدول وبالتالي ضعفهم محليا".
مديونية وعجز
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد باتت عمان تعيش على وقع مديونية وصلت حد 19 مليار دولار، وموازنة تعاني عجزا يتجاوز 1.5 مليار دولار، فيما أعلنت أنها بصدد رفع أسعار الكهرباء والمحروقات وهو ما قد يخرج فئات جديدة للشارع.

واعتبر المحلل الاقتصادي سلامة الدرعاوي أن جميع المؤشرات الاقتصادية تشير إلى أن الأردن دخل نفقا مظلما.
وقال "المديونية تجاوزت الـ70% من الناتج المحلي الإجمالي في مخالفة لقانونها الذي يمنع أن تتجاوز 60% من الناتج، كما أن العجز خطير ومرشح للزيادة".
وتابع الدرعاوي في حديثه للجزيرة نت "الحكومة بنت الموازنة على تقدير للإيرادات قد تتراجع خاصة وأننا نتوقع انخفاضا في حوالات العاملين في الخارج، وتراجعا في الاستثمار القادم من الخارج، فيما لا يمكن المراهنة على ارتفاع الدخل السياحي".
وقال المحلل الاقتصادي "إذا تراجعت الإيرات فإننا سنشهد تراجعا في الاحتياطي المحلي من العملات الصعبة مما قد يدفع الحكومة للجوء للاقتراض مجددا والخيار هنا هو الاقتراض الداخلي وبالتالي ستزاحم الحكومة القطاع الخاص على السيولة في البنوك".
غياب المبادرات
ويذهب الدرعاوي إلى القول بأن أزمة الاقتصاد الأردني سببها عدم وجود مبادرات حقيقية للإصلاح الاقتصادي، ويعزو ذلك لغياب الإصلاح السياسي الذي يرى أنه ينتج برلمانا يمثل الناس حقيقة ويقنعهم بخطط الإصلاح الاقتصادي.
ولا تخلو مسيرة مطالبة بالإصلاح من شعارات تسأل الملك عن "أموال الشعب وأراضي الدولة"، كما تطالب باستعادة الشركات التي جرت خصخصتها، بعضها بصفقات "وهمية" كما كشفت لجان برلمانية.
غير أن الدرعاوي يرى أن الشعب لا ينبغي أن يتوقع حلولا سحرية، وقال "البلد يعيش على تراكمات الماضي ولن يقتنع الناس إلا بمحاكمة فاسدين ما زالوا طليقين ومن ثم يمكن أن يقبلوا موجة غلاء في إطار إصلاح حقيقي وشامل تتغير فيه الوجوه التي يراها الناس سببا في أزماتهم".