جهود تسعى إلى "تفتير" عزيمة الإصلاح وتروج لتأجيل الانتخابات
عمان - تطفو على ساحات المشهد السياسي؛ طروحات تدعو وتتبنى فكرة "تأجيل الانتخابات"، إلى حين هدوء الشارع وقبوله بـ"الممكن والمتاح" من الإصلاحات وفق "خطوات متدرجة"، تصل في نهاية المطاف إلى تنفيذ كافة الاستحقاقات السياسية.
أصحاب هذه الرؤية، ينطلقون من فكرة أن إجراء الانتخابات مبكرا، قد لا ينهي الجدل الدائر حول شكل وسقف الإصلاحات المنشودة، ومستويات تحققها فعلا، وسط "تباين ملحوظ" في مواقف التيارات السياسية والحراكات الشعبية من الموضوع ذاته.
وهذا دفع بإثارة ردود أفعال تتساءل عن "جدوى العملية الإصلاحية إن لم تتوج بانتخابات نظيفة، تعيد إلى تمثيل الشعب حقيقته وبالطرق السليمة ديمقراطيا".
الطرح ذاته، ينسجم مع فكرة "ضرورة العودة إلى مبدأ توازن السلطات"، في حين أن أحسن الطرق المؤدية إلى ذلك هي "انتخاب مجلس نواب عبر صناديق نظيفة، تأتي بنواب يحافظون على سمات النائب الدستورية؛ تشريعيا ورقابيا".
لا يختلف السياسيون من مختلف مشاربهم؛ على أن الانتخابات المبكرة؛ قد تكون "عربون مصالحة مع الشارع"، وهو ما يمهد "فعلا إلى عودة ثقة الشارع بالمؤسسات الدستورية؛ والتي على رأسها البرلمان، الذي يمنح الثقة بالحكومات".
يأتي ذلك بعد أن سجلت السلطتين، التشريعية والتنفيذية على مر أعوام مضت "انتهاكات فادحة"، حتى أضحى مبدأ التوازن بين السلطات "غائبا تماما"، في حين أن "الابتزاز السياسي" حل مكان التوازن السياسي والدستوري في العلاقة بين السلطتين، على حد وصف رئيس وزراء أسبق.
لا يجد متابعون مفرا من إجراء الانتخابات المبكرة، فعلى "حدود أزمة استعصاء سياسي سنقف" إن سُمح لمجلس النواب الحالي العبور إلى دورة عادية ثالثة، نكون خلالها قد قمنا بتأجيل استحقاق الانتخابات المبكرة عاما كاملا على الأقل.
يُشخص سياسي بارز المشهد وفق هذه المعطيات، بالقول إن "ضياع قِبلة الإصلاح من بعد تأجيل إجراء انتخابات مبكرة، سيؤدي حتما إلى عودة الأزمة لمربعها الأول؛ فمجلس منزوع الشعبية، وحكومة مغضوب عليها، يعني بالضرورة الذهاب إلى خيار الشارع والبقاء به".
يزيد من قناعة متابعين؛ بطرح خيار تأجيل الانتخابات، عدم الحسم حتى اللحظة بتسمية أعضاء ورئيس الهيئة العليا المستقلة للإشراف على الانتخابات، ومماطلة مجلس النواب في التعامل مع منظومة التشريعات الإصلاحية.
فالمجلس لم يغادر بعد حزمة القوانين الأقل جدلا، حتى يتفرغ للقانون الأكثر جدلا؛ قانون الانتخاب وتوابعه الأكثر أهمية، نظام تقسيم الدوائر الانتخابية، والنظام الانتخابي نفسه.
صحيح أن صلاحيات المجلس لا تطال النظامين، إلا أن قانون الانتخاب سيمهد لوضع التصورات المُلزمة للحكومة لدى وضعها النظامين، ضمانا وحماية لهما من عبث الحكومات.
كما يزيد من أزمة التكتيك السياسي؛ من الأطراف المؤثرة في اللعبة السياسية، الذهاب باتجاه الرغبة في "تنويم ملفات الفساد"، ما يؤدي بالضرورة إلى فتور عزيمة جهود مكافحة الفساد.
يقول نائب إن المجلس "أدار ظهره لتلك الجهود، وذهب باتجاه منح البراءة؛ أو إصدار شهادات عدم المسؤولية، لشخصيات سياسية، أثيرت حولها شبهات فساد مالي أو إداري، ما يفيد بالضرورة بإغلاق ملفات الفساد".
في حين أن أشهر شخصيتين وضعتا وراء قضبان السجن؛ توقيفا، إلى جانب عدد من كبار الموظفين في القطاعين العام والخاص، لا نعرف عن مجريات التحقيق معهم أو محاكمتهم، أو أين وصل القضاء في الحكم على ملفاتهم.
كل ذلك يعزز قناعة رئيس حكومة سابق، يفضل عدم الكشف عن اسمه بالقول إن "ربيع الإصلاح الأردني يدور في حلقة مفرغة، والإرادة السياسية في خروج الإصلاحات إلى حيز النفاذ، لم تتضح معالمها بعد".
يحذر محدثنا، من تسرب الإحباط إلى أوساط واسعة في المجتمع، فمعنى ذلك برأيه "مراوحتنا لحالة استعصاء لن يخرج منها أي طرف منتصر، ويكون الوطن ومصالحه العليا؛ هو من سيدفع الثمن".
وسط جدل المواقف، وتباين الرؤى، من إجراء الانتخابات المبكرة، يقف قانون الانتخاب على مرمى التوافق بين القوى السياسية والحكومية والنيابية، ويرى محللون أن "التأخر في حسم هذا الجدل والتوافق، سيرشح الأزمة لمزيد من التعقيد".
يخشى محلل من أن يكون المجلس التقط الإشارة خطأ، فإن تأجيل إجراء الانتخابات المبكرة، سيفضي بالضرورة إلى "تمويت" قانون الانتخاب، الذي من المفترض أن يندرج على جدول أعمال الدورة الاستثنائية المزمع عقدها بداية الشهر المقبل. وأي تعطيل لقانون الانتخاب؛ وانتهاء الدورة الاستثنائية بدون إقراره، يعني بالضرورة دخول المجلس إلى دورة عادية ثالثة، وتكون هذه الدورة الدالة السياسية على تأجيل وتعطيل أهم استحقاقات العملية الإصلاحية، التي على رأسها انتخابات نيابية بموجب قانون انتخاب، يلبي الحد الأدنى من التوافق بين الأطراف المشاركة.
ينصح السياسيون باتباع نهج جديد للتعامل مع ربيع الإصلاح الأردني، فصحيح أن الظروف من حولنا شكلت عقبات أمام مشروعنا الإصلاحي، لكنها لم تلغ موجبات الإصلاح.
طريقة شراء الوقت بهدف تمييع مطالب الإصلاح، تنم عن قصر نظر مؤثرين في مصنع القرار السياسي، فإن هدأت وتيرة مطالب الإصلاح، فهي لن تلغى، وعنصر المفاجأة في تفجر المشهد، سيظل حاضرا في هواجس الدوائر الأمنية وأوساط المتابعين، بحسب مخضرم سياسي.
بقي القول، إن إعادة ترتيب المشهد، وفق خطوات ممنهجة ومتدرجة في سحب احتقان الشارع، تفيد بأن إقفال العام الحالي بالانتخابات المبكرة، سيكون أمرا ذا جدوى ومنفعة سياسية.
فالخطوات المتبقية؛ حل المجلس، وتغيير حكومي، ثم الشروع بعملية التحضير لانتخابات. وكلها خطوات ستسحب من الشارع موجبات الاحتقان بالتدرج، ويبقى فقط على الجميع الانخراط بعملية سياسية، تصالحية تشاركية، وهو ما سيعود بالمنفعة القصوى على مسيرة الإصلاحات الشاملة، التي ستبدأ بعودة الفاعلية للمؤسسات الدستورية.