الخريف العربي وربيع الفتاوى


في زمن خلع الرؤساء والحكومات وفي زمن الاعتصامات والمظاهرات التي لها داعي والتي ليس لها داعي وفي زمن نمردة الشعوب على واقعها وهو في الحقيقة أفضل مما تصبو إليه .

وفي زمن اختلط الحابل بالنابل ولم تعد تعرف هذه الشعوب الثائرة على واقعها إلى أين هي ذاهبة؟ والى أين ستصل؟ خراب هنا ودمار هناك لم تعد الدول التي قامت على حكامها آمنة ولم يعد بها قوانين وأنظمة تطبق ، أصبح الحكم بها للقوي وللبلطجي فكل شيء بني بعشرات السنين بالجهد والمثابرة مهدد بالزوال .

هذا ما أخذناه من الخريف العربي .

شعوب ثائرة لا تعرف ماذا تريد ولا تعرف إلا الشتم ومعارضة كل شيء ولا يعجبها أي شيء .

فقد اقتنع بعضهم أنهم قادة ثورة وهم من صنعوا التغيير وهم في الحقيقة مجموعه من العاطلين عن العمل مسيرين من البعض وليس مخيرين لا يفهمون لا بالسياسة ولا بالاقتصاد وهم أصلا قيودهم الأمنية مليئة بالقضايا المخزية ، أنا أقول بعضهم لان البعض الآخر خرج للشارع لشعورهم بالظلم والقهر من الدولة ومن يمثلها بكل وظيفة عامة .

ولم يكتف بعض الناس بأنه يحرض على السلب والقتل بل أصبحوا يفتون بكل شيء باسم الدين فالمواطن البسيط ليس له حيلة إلا أن يصدق أي فتوى تصدر من أي شخص له لحية أو يلبس دشداش ابيض على السنة .

فوزير الشباب عندنا مثلا أصبح يفتي وأصبح مرجع لبعض البسطاء يحلل ما يريده ويحرم ما يريده لهم ، منظره الخارجي ليس له علاقة بمنظره الداخلي فهو يخفي بداخله حقدا على الآخر منذ سنين ، كيف أصبح وزيرا للشباب لا اعرف فأعلى وظيفة يستطيع أن يصل لها برأي هي وظيفة منظر في مقهى .

وأخيرا خرجت علينا فتوى تحريم زيارة القدس والتي تحدث بها عدد من الشيوخ بان زيارة القدس محرمة شرعا بحسب الشيخ القرضاوي وغيره من الشيوخ وذلك بعد زيارة الأمير غازي بن محمد والشيخ علي جمعة مفتي مصر إلى القدس حيث سارع البعض إلى تحريم هذه الزيارة إلى الأماكن المقدسة ما دامت تحت الاحتلال .

وأقول لو انه سمح بزيارة القدس لمن أفتى بتحريمها لكان قد أفتى بتحليلها ولكن لأنه منع هو من الزيارة فالزيارة أصبحت حراما شرعا.

يحللون ويحرمون دون الرجوع إلى أهل الفتوى فأي فتوى لا بد أن تصدر عن مجلس إفتاء وليس من شخص مهما كان علمه أو قدره فمجلس الإفتاء يضم عددا من خيرة الخيرة من الشيوخ والعلماء يدرسون أي قضية تقدم لهم ينظرون لها من جميع الأطراف والزوايا ولا يتسرعون بالفتوى ولا تكون ردة فعل متسرعة أبدا كما يفعل البعض بفتواه ، وللعلم فالفتوى هي رأي يقدم للجماعة وليست ملزمة لأحد .

فمفتي مصر هو الأكثر علما والأعلى قدرا من أي شيخ آخر يفتي بأي مكان فهو لم يصل إلى هذا المركز المرموق والمسؤول إلا لأنه بحرا من العلم والمعرفة بالدين .ولكن يبدو أننا نعيش في زمن ليس له كبير فالصغير يريد أن يكون له مكان دون المرور بشرب الحليب بالمصاصة والحبي ثم المشي .

وان حاول هذا الصغير أن يكبر بسرعة فربما يغص بنقطة حليب من المصاصة وتكون هي نهايته ،ولكني أخشى أن تقام له جنازة لم تقم للعظماء وتصبح الدولة هي من زادت جرعة الحليب له لقتله ،وهو في الحقيقة لم ينزع الفوطة عنه بعد .

فنحن في زمن الخريف العربي وربيع الفتاوى ولم يعد بعض الناس يعيشون بأحجامهم الحقيقية أبدا.

info@ziyadat.com