الدين لله.. والأحزاب للسياسة

غير مفهومة ولا مبررة، ردة فعل حزب جبهة العمل الإسلامي على قرار الأغلبية النيابية برفض تأسيس أحزاب سياسية على أسس دينية.
قرأت بتأنٍ أسباب ودوافع الرفض، كما جاءت في بيان المكتب التنفيذي للحزب، فلم أجد سوى تحذيرات من خطورة القرار على "أمننا الوطني ووحدتنا الوطنية" (!!) بدون أن يقول لنا البيان: كيف. وكذلك اتهام الأغلبية النيابية "بالجهل بحقيقة الدين الإسلامي" (!!)، و"الجهل بالدستور الأردني" (!!). وأخيرا، استنكار "لإقحام الدين في الشأن الحزبي" (!!).
وأكثر ما لفت انتباهي هو الحجة الأخيرة، لما فيها من "تذاكٍ" يرد التهمة الرئيسة للحركة الإسلامية في الأردن التي توظف الدين في العمل السياسي والحزبي، وكثيرا ما تلغي الفواصل بينهما؛ مثل وجود دائرة "للإفتاء الديني" في حزب جبهة العمل الإسلامي (!!)، وهذا أمر مستهجن، ويمثل أعلى درجات التوظيف الديني لخدمة أهداف سياسية وحزبية.
الأغلبية النيابية التي أقرت رفض قيام أحزاب دينية، تعي جيدا حقيقة أن الدين الإسلامي الحنيف -كما جاء في بيان الحزب- قائم على "المحبة والرحمة والعدل والتسامح". ورفض قيام أحزاب على أسس دينية لا يمنع قيام أحزاب بمرجعية فكرية إسلامية تستند الى الشريعة، وتستلهم منها "قيم المحبة والرحمة والعدل والتسامح"، وتستنبط منها سياساتها وبرامجها ومواقفها، تماما مثل ما جاء في البرنامج السياسي لحزب جبهة العمل الإسلامي وحزب الوسط الإسلامي اللذين يؤمنان بالدستور الأردني وبالنظام النيابي الملكي، وليس في برنامجيهما هدف إقامة الدولة الدينية (الخلافة).
ما جاءت به الأغلبية النيابية ليس بدعة من صنيعتها؛ فقد أقرت برلمانات مصر والمغرب وتونس بعد الربيع العربي نصا مطابقا لما أقرته الأغلبية النيابية الأردنية في قوانين الأحزاب، يمنع قيام أحزاب على أسس دينية. جاء ذلك بموافقة ومباركة الإخوان المسلمين والجماعات الدينية التي شكلت أحزابا سياسية، وانخرطت في العملية السياسية في بلدانها.
واضح من ردة فعل حزب جبهة العمل الإسلامي أنه لم يغادر بعد عقلية "الجماعة" الدينية، ولا يريد التخلي طوعا عن ميزة تدر عليه "ذهبا"؛ أعني إضفاء صفة القداسة والديني على سياساته ومواقفه السياسية والحزبية، وحتى على شخوصه، ليس فقط عند الفئات الشعبية المتدنية الثقافة والقدرة على التمييز بين ما هو ديني وما هو سياسي مصلحي، بل وأحيانا عند النخب. كم مرة شاهدنا أو سمعنا مقدمي البرامج السياسية الحوارية في محطات التلفزة، أو في الندوات السياسية العامة، يقدمون رموز حزب جبهة العمل الإسلامي بصفة: سماحة الشيخ، أو فضيلة الأستاذ؟
كثيرا ما طلبت من مقدمي البرامج الحوارية التي أشارك فيها (بيني وبينهم) أن لا يقدموا محاوري من حزب جبهة العمل الإسلامي بتوصيفات دينية، حتى "نتساوى في المركز السياسي". أما بعد الندوة، فأنا أخاطب الكثير منهم، وخاصة كبار السن، بتوصيفات دينية. وهم على كل حال أصدقائي، وهم يعرفون جيدا ويقولون لي ذلك وجاهة: بأنني لست طائفيا. وأنا أعتز بهذه الشهادة.
التحول من حزب ديني (جماعة الإخوان المسلمين) إلى حزب سياسي (حزب جبهة العمل الإسلامي) ليس عملية سهلة، وتحتاج إلى أن تأخذ مداها وتفاعلاتها. والدعوة التي يطلقها شباب "الإخوان" بضرورة أن تتفرغ الجماعة "للدعوة"، وأن تترك السياسة لحزب جبهة العمل الإسلامي، تعكس جدل التحول.
نتطلع، نحن العلمانيين، إلى أن نرى حركة حزبية إسلامية ديمقراطية، تؤمن بعلمانية الدولة وبفصل الدين عن السياسة.. فالدين لله، والوطن والدولة للجميع