الحملات على الحكومة ومجلس النواب

تناول مسألة ما، بشكل يومي، في سلسلة مقالات متتالية يكون في واقع الأمر حملة هجومية وليس كتابة صحفية أبداً، إذ لا يعقل أن يعمد كاتب ما إلى بحث يومي في ذات المسألة دون توقُّف، إلاّ إذا كان يريد إثبات أمر يخصّه، أو انتقاماً مغلَّفاً بمقال.
الحكومة هي الموضوع الأكثر جذباً للكتّاب لتناول سياساتها ومواقفها ومجمل ممارساتها، إن كان نقداً وإبداءً للرأي، والتحليل والإضافة على المعلومة، أو حتى تأييداً مطلقاً لها. وليس بالأمر غضاضة أو ما يدفع للاستهجان، طالما أنّه يكون في إطار الموضوعية والصدقية والمهنية المخلصة، ومدعوماً للقراء للاستفادة والعلم بحرية تامة لهم.
غير أنّ الأمر عندما يتحوّل إلى ممارسة يومية، وتصبح الحكومة، أو رئيسها، أو أحد الوزراء فيها المادة اليومية للكاتب دون سواها، بقصد تعبئة القراء وحشدهم وراء ما يكتب، أو من أجل إثارة غضب وحنق واستفزاز من يكتب عنهم، ولفت الانتباه إلى انتقامه، ويستمر بذلك يوماً بعد يوم، دون ملل أو كلل، فإنّ هذا يكون حملة وليس كتابة.
مجلس النواب مثل الحكومة، فهو لا يقل جذباً عنها لتناول ما يدور فيه والكتابة عنه وعن النواب، ولا يختلف منطق الحملة بالكتابة عن الحكومة عنه، عندما يكون بذات السوية والأغراض.
أخطاء الحكومة كثيرة، والاختلاف معها ليس قليلاً، وذات الأمر بالنسبة لمجلس النواب، وهذا الواقع يسهل لمن يريد التصيد أن يجد ما يريد وأكثر، غير أنّ غرض الكتابة الصحفية لا يعود موجوداً.
في حال الحكومة، فإنّ تناول مشروعها لقانون الانتخاب بالنقد والرفض وإبداء الرأي وكل ما قيل حوله يعدّ أمراً مشروعاً، أمّا الذهاب به نحو تناول رئيس الحكومة كشخص والدفع به لأوصاف وتهاون، فإنّ ذلك ليس كتابة سياسية ولا صحافية من أيّ نوع، إذ أنّ رائحة الكيدية والانتقامية تكون فائحة وزاكمة للأنوف.
أكثر من يقف ضد مشروع القانون هم أحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية، وهؤلاء ومن معهم من الكتّاب لم يتناولوا أشخاصاً بالحكومات طوال الوقت، ومن فعل ذلك هم الذين كانوا الأقرب للحكومات حتى وقت قريب.
في حال مجلس النواب الأمر مختلف، فالحملات السياسية المعارضة مشروعة، لأنها تتم على المجلس وليس الأشخاص، وفيه الآن ما يدفع للقول أنّ انحرافه في كل مناسبة لحجب الثقة عن وزير ما، ما يعرضه أكثر فأكثر للنقل والاعتراض عليه، فليس معقولاً أن يطلب طرح الثقة بالوزير المجالي على خلفية تصريحات عادية، ثم عن الوزير القضاة لأنه كان مسافراً، والآن عن الوزير الواكد لأنه غاب عن اجتماع.