اخبار البلد_ ليس أكثر من ورقة بيروقراطية بائسة تنحصر
قيمتها في أنها مختومة بتلك الأختام التي يحصل عليها البعض ببساطة شديدة
فيما يحرم منها البعض الأخر.
هذه الورقة تصدر بالعادة عن وزارة الصحة
الأردنية وإسمها ‘رخصة مزاولة مهنة’ وبطبيعة الحال لا يمكنك العمل طبيبا في
بلد منظم كالأردن بدون وضع هذه الورقة في جيبك بصرف النظر عن إبداعاتك
وعلمك ومهاراتك وحتى خبرتك.
وبطبيعة الحال أيضا يمكنك أن تجد طبيبة
عراقية في أحد مستشفيات عمان تتفحص ضغط دمك وفي بعض الأحيان يمكنك
الإسترخاء بين يدي طبيب سوري فهؤلاء وغيرهم يحصلون على الورقة البيروقراطية
لان الأمر ببساطة شديدة لا يؤدي إلى العبث بالتوازن الديمغرافي.
كل أفراد الطاقم في المؤسسة البيروقراطية
مهووس بقصة الخلل الديمغرافي التي تصادفها أينما حللت أو وطأت إبتداء من
الساعة الديمغرافية التي تحدد خلفية وأصول المواليد الجدد في الغرفة
الأمنية مرورا بالمشرعين الذين يفصلون القوانين على أسس الديمغرافيا
وإنتهاء بأي موظف حتى لو في مؤسسة الإقراض الزراعي دخل بالهوس البيروقراطي
المألوف وتقمص دور البطل الذي يريد الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية
حرصا على فلسطين عبر حرمان بعض الناس دون غيرهم من حقوق العيش بكرامة.
سمعت مؤخرا قصصا غريبة تتجاوز كل ما يتعلق
بفك الإرتباط وسحب الجنسيات من بينها قصة 35 شابا حصلوا على شهادة طب
الأسنان وسجلتهم نقابة أطباء الأسنان في عمان بكشوفاتها لكنهم لا يستطيعون
النظر في فمي كمواطن مراجع وإذا فعلوا قد يدخلون السجن لسنوات لانهم لا
يحملون ورقة مزاولة المهنة.
وزارة الصحة تحرم الشبان الأطباء من الورقة
بسبب قراءة بيروقراطية متخلفة لنص قانوني صادر عن ديوان التشريع قبل خمس
سنوات والسبب المباشر لذلك أن الشباب من أبناء قطاع غزة المولودين في
الأردن.
المأساة أن هؤلاء إن فكروا بمغادرة عمان
للبحث عن وظيفة في أي مكان في الكرة الأرضية لا يستطيعون ذلك لان كل الدول
لن توظفهم بدون رخصة مزاولة المهنة الأردنية.
الأطباء الشبان محبطون تماما ويقول احدهم-
الدكتور ياسر غلبان-: بعضنا يفكر في الإنتحار والبعض الأخر بالإضراب عن
الطعام والأمر لا يزيد عن إجراء إداري فنحن لا نطالب بالجنسية الأردنية ولا
بالرقم الوطني الأردني والسلطات تقول بأننا لا نستطيع الحصول على الرخصة
المطلوبة التي تشترط وجود رقم وطني.
طبعا يقترح بعض المتبجحين في عمان أن يغادر
هؤلاء ونحو 120 الف غزي يقيمون بالأردن بلا أمل ولا وثائق إلى وطنهم في
القطاع لكنهم يقولون للسلطة الأردنية : نقبل أقدامك إشحنينا إلى غزة وسنصفق
لك ونلتهم هناك التراب لكن تدبري لنا أمر العبور مع الشقيقة الكبرى مصر أو
مع شريكة السلام الدافىء إسرائيل.
الأدهى والأمر أن هتيفة وشبيحة المعارضة
المتحكمين في النقابات المهنية لا يقدمون أي مساعدة ممكنة لأبناء قطاع غزة
من المهنيين الذين ولدوا في المملكة لا بل يساهمون في عدم التدخل لصالحهم
‘كزملاء’ لدى السلطات، هؤلاء أنفسهم يمكنك أن ترصدهم في مهرجانات نقابية
ووطنية يرفعون لافتة ‘لبيك يا غزة’ أو في نشاطات جمع التبرعات لصالح الأهل
في القطاع المحاصر أو حتى في خطابات عرمرمية مليئة بالتضامن اللفظي المخادع
علما بأن توفير مظلة ‘نقابية’ لطبيب او مهندس أومهني من أبناء القطاع
المحرومين في عمان يمكن أن يساهم فعلا في الإنفاق على عائلة كاملة في
القطاع المقاوم والمحاصر.
قبل ذلك إشتبك أحد الزملاء مع قصة حب وتوافق
مع فتاة غزية وأهلها على الزواج على سنة الله ورسوله لكن الرجل عندما دخل
في التفاصيل إكتشف بأن سنة الله ورسوله لا علاقة لها بسنة البيروقراطية
الأردنية فوزير الداخلية في هذه الحالة ولأن العروس من غزة ينبغي أن يوافق
على عقد القران والشيخ الذي يكتب العقد بـ30 دينارا لكل البشر ومن جميع
الأجناس لا يستطيع إنجاز الأمر إلا إذا وافقت وزارة الداخلية وقريبا لن
نستغرب إذا سمعنا بأن الداخلية الأردنية ستراقب غرف النوم وتعين موظفا لهذه
المهمة تنحصر فعالياته في متابعة ‘ليلة الدخلة’ عندما تكون العروس من
المغضوب عليهم.
حالة أخرى أكثر إيلاما خبير طيران أدى واجب
خدمة العلم وساهم في تأسيس أحد أفرع الطيران في الجيش العربي الأردني سحبت
جنسيته مع أولاده فجأة، المؤسف أن الرجل يتنكر الجميع لخبراته ولا يستطيع
مغادرة منزله بعد الغروب لانه لا يحمل بطاقة شخصية بعدما سحبت منه بالرغم
من بطاقته العسكرية، صاحبنا يخشى توقيفه بالشارع وإيداعه السجن لانه بلا
بطاقة حيث أن التهمة جاهزة في مثل هذه الحال وهي ‘ظروف تجلب الشبهة’.
إذا كنت من إياهم، يعني من أبناء الضفة
الغربية حملة البطاقات أو قطاع غزة فالكل في المؤسسة البيروقراطية الأردنية
لديه مهمة مقدسة تتمثل في مراقبتك ومنعك من التزاوج والعمل والحصول على
وظيفة وإحباطك ومطالبتك بالتحمل والصبر والتضحية من أجل الوطن السليب بدلا
من التمترس وراء حقوقك البشرية في الأردن والبحث عن أوراق ثبوتية أردنية
تستبدل بها فلسطين وبالتالي المساهمة في خدمة المشروع الصهيوني، أصحاب هذا
المنطق أنفسهم لا يريدون إجابتنا على السؤال التالي : كيف تتحرر فلسطين
بمواطن أردني قلق وجائع وبلا وظيفة وأحيانا بلا جنسية؟ إذا قد يكون المطلوب
إغراق الأردن بالقلق وليس فعلا وحقا تحرير فلسطين.
وإذا كنت من إياهم لا يكفي أن تقول ما يقوله
أطباء الأسنان من أبناء قطاع غزة عندما يعلنون ‘لا نريد الجنسية الأردنية
ولا الرقم الوطني’ ويضيفون: كل ما نريده ورقة إدارية تسمح لنا بالمغادرة
والسفر وإلتقاط أرزاقنا في الخارج فالعالم لا يوظف غزيا أو فلسطينيا لا
يحمل ورقة مزاولة مهنة أردنية أو مصرية.
حتى إذا قررت المغادرة وتخفيف العبء عن
أشقائك الأردنيين لن تجد مساعدة إدارية خصوصا إذا توافقت مع الغرفة الأمنية
وتخفيف العبء الديمغرافي وساهمت في الحفاظ على الهويتين فالمطلوب منك أن
تبقى كالبيت الوقف جالسا قاعدا متسولا على أعتاب البيروقراطية الأردنية لكي
تحظى بلقب مواطن صالح يقدر تضحيات الأردن ويحترم فلسطين.