مر زمان كان فيه التنسيق مع الأمريكان تهمةً يفر منها الناس, وكنتَ اذا
أردت أن تستفز جهة ما سياسياً او إعلامياً, تكتفي بالقول أنها "مخترقة" من
الأمريكان أو أنها تنسق سراً مع الأمريكان. أما عندما تتهم مسؤولاً ما بأنه
"صنيعة" أمريكية فإنك تكون قد وجهتَ له تهمة من الطراز الرفيع, ومثلها
القول بأن حدثاً ما هو من "تدبير" الأمريكان, او "حاكته" الأيدي
الأمريكية... الى آخر ما هنالك من استخدامات مماثلة.
اليوم تغيرت الأمور كثيراً:
ممثلو أمريكا وموظفوها بمن فيهم المعروفون بالعداء للعرب يحضرون الى بلادنا
ضيوفاً معلنين, وهم "يخترقون" و يحيكون" و"يدبّرون" ويقابلون "صنائعهم" في
العلن, بل وأصبحت عبارة "مقبول أمريكياً" تقال بسهولة وباستيعاب عال من
قبل المستمعين, بل وهناك اليوم قادة ثورات مقبولون أمريكياً!.
كانت أمريكا في العلاقة مع أصدقائها تحرص على أن تبقي لديهم الكمية الكافية
من ماء الوجه, وكانت تحركات المسؤولين الأمريكان ذوي المهمات الخاصة تجري
بسرية تامة, وعندما كانت بعض الصحف العالمية تقوم أحيانا بكشف أسماء بعض
المتعاملين, كانت الإدارة الأمريكية ذاتها تسارع إلى النفي, وقد تقدم
اعتذاراً ووعداً بأن خطأ الكشف عن الأسماء لن يتكرر.
كانت جماعات أمريكا في بلادنا تمارس تبعيتها للأمريكان بشكل "مستقل", وكان
المسؤول الأمريكي حامل الخطط أشبه بالجندي المجهول لا يظهر إسمه إلا بعد
مرور وقت محدد بالقانون.
اليوم, يبدو الآن أن كمية ماء الوجه الضرورية لإقامة علاقة تنسيق مع الأمريكان قد تقلصت كثيراً.