الجبهة المتحدة ضد الفاشية والارهاب
بالمناسبة, لم يقفز اودلف هتلر الى السلطة بوساطة الدبابات, بل... عبر صناديق الاقتراع. لا تنسوا هذه الواقعة السوداء من تاريخ العالم المعاصر. كان الحزب النازي موحدا ومنظما وقادرا على استلاب عقول قسم من الجماهير المفقرة اليائسة في مواجهة قوى يسارية وتقدمية وبرجوازية ديموقراطية مشتتة ومتصارعة, بل وكان بعضها يدخل في تحالفات مع الحزب الذي سيسحق الجميع لاحقا.
النازية والفاشية حركتان للبرجوازية الصغيرة الرجعية المرتبطة مع دوائر الرأسمال الكبير ولخدمته.
ليست لدينا نازية او فاشية بالمعنى الدقيق للكلمة, فهذه من منتجات ازمة الرأسمالية المتطورة, لكن لدينا, كحالنا, فاشية رثّة عاجزة عن التصنيع والمركزة, لكنها قادرة على انشاء دكتاتورية شعبوية. وفي مواجهتها قوى وطنية ويسارية وقومية وديموقراطية مشتتة ومتصارعة ذاتيا, وفاقدة للحس السياسي والثقة بالذات, وبعضها لا تزيد اماله على الانضواء تحت جناحيّ الفاشية الرثة, يحالفها خوفا او طمعا في فتات.
هنالك خطأ ما جوهري في فكرنا السياسي. ذلك الخطأ يكمن في اختصار الديموقراطية في الانتخابات والبرلمان والحكومة البرلمانية! لكن هذه ستكون طريقا ممهدة للفاشية.
الديموقراطية ليست الانتخابات حتى لو كانت نزيهة وحرة ووفق احسن الانظمة الانتخابية. الديموقراطية هي: حرية التعبير, حرية العقيدة الدينية والدنيوية, حرية الممارسة الاجتماعية, حرية التنظيم الحزبي والنقابي, حرية الاجتماع والتظاهر والاعتصام, حرية السلوك الفردي والخيار الثقافي, حرية الخيار الفكري, حرية الصحافة, حرية النقد على كل مستوى وفي كل اتجاه.
وهي كلها حريات ليست ممكنة الا في دولة مدنية علمانية. وهي اليوم مهددة بالفاشية, بينما نتحدث عن ديموقراطية انتخابية عرجاء هي الشكل الملائم لانتصار الفاشية في مجتمع مزدحم بالفقراء والعاطلين والمهمّشين. هؤلاء سيكونون مضطرين لبيع اصواتهم, بالمال او الخدمة او المساعدة... وهم, بالاساس, لا يملكون القدرة الاقتصادية او الثقافية على ممارسة الحريات الديموقراطية, ولا على تحويل طموحاتهم الى جدول اعمال, ولا على الاهتمام بالسياسة الداخلية او الخارجية. بالمقابل, فإن فقرهم المدقع وحرمانهم المديد معيشيا وثقافيا, سيسقطهم في حبائل الفاشية الرثّة, الموكول اليها ادارة الفقر وتنظيم تهميش الجماهير السياسي وتشكيل الحاضنة الاجتماعية والثقافية للارهاب بشقّيه المعنوي والفعلي.
بوضوح ودقة, تعيش القوى اليسارية والقومية والوطنية والعشائرية والعناصر البرجوازية التقدمية والعناصر البيروقراطية الوطنية, اليوم, لحظة تاريخية مفصلية, فإما انها تنخرط في جبهة متحدة ضد الفاشية او ان الفاشية ستسحقها جميعا. بالمقابل, فإن التحايل على اللحظة التاريخية, واللفّ والدوران, وعقد الصفقات من تحت الطاولة, والبحث عن بقايا الطعام من بين اسنان الغول الفاشيّ, والانتهازية والشطارة... كلها ستؤول وبالا على الجميع, وعلى البلد والمنطقة.
المطلوب من كل الاطراف الوطنية, التقدمية والعلمانية والمدنية,الان, تقديم تنازلات متبادلة: تصفية الفساد, حسم المسألة الوطنية, التفاهم على صيغ مشتركة لتجديد الدولة, احداث تغييرات جدية في النهج الاقتصادي الاجتماعي لصالح الاغلبية, وكذلك, تخفيض سقوف الشعارات والتهدئة والالتزام بالواقعية في تحديد المطالب التي ينبغي تركيزها على المحور الوطني الاجتماعي, ووقف الصراخ ونزعات التصعيد. يعني.. المطلوب تسوية بين القوى المدنية, لمواجهة الفاشية.