182 مخططًا... ترامب الراعي الرسمي للتوسع الاستيطاني
بينما ينشغل الفلسطينيون والإسرائيليون على حد سواء أكثر من أي شيء آخر بمتابعة إتمام الدفعة الثانية من صفقة التبادل بين إسرائيل وحركة "حماس"، تنهمك عائلة الرجبي المقدسية بجمع الأوراق الثبوتية اللازمة لخوض حرب قانونية مع جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية، التي تمكنت قبل أيام من استصدار أمر من محكمة الصلح الإسرائيلية في مدينة القدس، يقضي بطرد 26 عائلة فلسطينية من منازلها في حي بطن الهوى ببلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، بحجة أن الأرض التي تبلغ مساحتها 5.2 مليون متر مربع المقامة عليها منازل السكان تعود ليهود أصلهم من اليمن منذ عام 1881، مما يضع نحو 800 مقدسي يعيشون داخل الحي تحت تهديد الهجرة القسرية. وعلى رغم أن سكان الحي لديهم أوراق قديمة تثبت حقهم في الأرض التي يعشيون عليها منذ الستينيات فإن القانون الإسرائيلي لم يعترف بأي منها، بل سلمهم قرارات بالإخلاء الطوعي خلال ستة أشهر وإلا ستنفذ عملية إخلائهم بالقوة، وغرامة بقيمة 50 ألف شيكل (14 ألف دولار) لكل عائلة تعويضاً للمحكمة والمستوطنين، وأمهلتهم المحكمة مدة 35 يوماً لتأمين الأموال. وبالنسبة إلى لجنة أهالي حي بطن الهوى التي دخلت دوامة المحاكم مع جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية منذ عام 2005، فإن مخططات للاستيلاء على الحي الذي يطل على الزاوية الشرقية الجنوبية من سور القدس والمسجد الأقصى ولا يفصل بينهما إلا وادي قدرون بمسافة نحو 300 متر فحسب، يأتي كجزء من الحملة الاستيطانية لتصفية الوجود الفلسطيني فيه، خصوصاً بعد أن استولى مستوطنون عام 2004 على بنايتين سكنيتين في الحي وحولوهما إلى بؤر استيطانية تتضمن "بيت جوناثان" و"بيت العسل" وثماني وحدات سكنية أخرى. وبين عامي 2014 و2016، أخلت بلدية القدس بقرار حكومي 20 عائلة فلسطينية من الحي نفسه لمصلحة المستوطنين، ووافقت بين عامي 2021 و2022 على طرد 20 أسرة أخرى.
ووفقاً لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية، فإن جهات التخطيط الإسرائيلية درست منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 في مدينة القدس وحدها، ما مجموعه 65 مخططاً هيكلياً استيطانياً، 25 مخططاً منها خارج حدود البلدية. وأشارت إلى أن إجمال المخططات الهيكلية التي خضعت للدراسة خلال عام من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في عموم الضفة الغربية بما فيها القدس بلغ 182 مخططاً هيكلياً، وذلك لبناء ما مجموعه 23 ألفاً و267 وحدة استيطانية على مساحة 14 مليون متر مربع، تمت المصادقة على 6300 وحدة منها. وفيما أكدت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية عام 2023 أن 60.5 في المئة من سكان المدينة من اليهود وغيرهم، و39.5 في المئة هم من العرب، أظهرت الأرقام أن نحو 29.2 في المئة من إجمال سكان المدينة هم من اليهود المتشددين.
الفلسطينيون في القدس لا يحصلون إلا على 8.5 في المئة فقط من مساحات المدينة المخصصة للتخطيط السكني (اندبندنت عربية)
مدرسة دينية
وفي سياق التوسع الاستيطاني داخل القدس الذي تنتهجه حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوطين المستوطنين وتغيير البنى التحتية والتركيبة الديموغرافية في المدينة، تسعى السلطات الإسرائيلية تزامناً مع تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترمب لولاية ثانية، والذي يعرف بسياساته الداعمة للتوسع الاستيطاني، إلى إقامة مدرسة دينية للحريديين مكونة من ثمانية طوابق لمصلحة جمعية "أور سمياح" في حي الشيخ جراح، على أرض صودرت من فلسطينيين بذريعة خدمة "حاجات السكان". وعلى رغم وجود تقارير رسمية إسرائيلية تؤكد نقص الأراضي العامة في الحي، واضطرار السكان الفلسطينيين للخروج من الحي لتلبية حاجاتهم التعليمية والخدمية، فإن الأرض خُصصت للجمعية الحريدية لبناء المعهد التوراتي. وبحسب الأرقام فإن نحو 113 ألف طالب وطالبة يهود يتلقون تعليمهم على مقاعد 300 مدرسة دينية يهودية (حريدية) في القدس. وخصص رئيس بلدية القدس موشيه ليؤون عام 2022 موازنة ضخمة بلغت أكثر من 100 مليون شيكل (نحو 29 مليون دولار أميركي) للتجديدات والتجهيزات والبناء لنظام التعليم الأرثوذكسي المتشدد في المدينة. في حين أكدت جمعية "عير عميم" الحقوقية الإسرائيلية أن الفلسطينيين في القدس لا يحصلون إلا على 8.5 في المئة فقط من مساحات المدينة المخصصة للتخطيط السكني. ولفتت إلى أن نسب البناء في الأحياء الفلسطينية أقل بكثير من تلك المسموح بها في الأحياء الإسرائيلية، مضيفة أن معظم المخططات الهيكلية في الأحياء الفلسطينية قديمة ولم تُحدث بما يتناسب مع النمو السكاني، وأوضحت أن بلدية القدس ترفض 85 إلى 95 في المئة من طلبات التخطيط التي يتقدم بها الفلسطينيون، وتواجه المشاريع الجديدة عراقيل بيروقراطية متعمدة. ويرى الباحث في الجمعية أفيف سترسكي أن "الخطط في اللجنة اللوائية تثبت إلى أي مستوى تُشوه إجراءات التخطيط لاعتبارات سياسية وديموغرافية ضد سكان شرق القدس". وأضاف أن إقامة مدرسة دينية للحريديم في الشيخ جراح تأتي على حساب حقوق الفلسطينيين الأساس في السكن والتعليم، فيما استهجن "الاتحاد اليورشلمي" تخصيص قطعة الأرض "لصالح جهة خارجية"، وشدد على أن هذه الخطوة "غير معقولة وجائرة"، محذراً من أنها قد تؤدي إلى "تصعيد الاحتكاكات" بين الفلسطينيين والمستوطنين في القدس.
182 مخططاً هيكلياً لبناء ما مجموعه 23 ألفاً و267 وحدة استيطانية على مساحة 14 مليون متر مربع، تمت المصادقة على 6300 وحدة منها (اندبندنت عربية)
تحذيرات بيئية
إلى جانب ذلك، تستعد لجنة التخطيط والبناء الإسرائيلية وفقاً لما نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية لبناء حي استيطاني ضخم، يضم نحو 9000 وحدة سكنية على أنقاض مطار قلنديا المهجور شمال شرقي القدس، قرب جدار الضم والتوسع وبلدة كفر عقب الفلسطينية التي يقطنها نحو 10 آلاف نسمة. ويضم الحي فنادق ومرافق وحدائق عامة ومناطق صناعية تقام على 1.2 مليون متر مربع شمال المدينة، ويشمل المخطط إقامة مجمعات تجارية بمحاذاة شارع رقم 45 وتحويل الصالة الرئيسة في المطار المهجور إلى "مرفق سياحي". ولفتت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية خلال وقت سابق، إلى أن المرحلة الأولى من المخطط والتي تشمل المصادقة والشروع في بناء 3800 وحدة استيطانية ستُوسع إلى نحو 10 آلاف وحدة استيطانية، وذلك بعد فحص معايير الجودة والبيئة، وستضاف إليها المرافق العامة والمناطق التجارية والصناعية (التشغيلية). وعلى رغم ضغوط دولية سابقة لتجميد المشروع بسبب التحذيرات البيئية والصحية من تلوث المنطقة جراء المنشآت الصناعية القريبة، فإن اللجنة قررت استئناف مناقشة المشروع الشهر المقبل. وعدت حركة "السلام الآن" الإسرائيلية في بيان أن "المخطط يقوض آفاق السلام على أساس دولتين لشعبين". وأكدت أن "المخطط الاستيطاني الجديد سيعوق التواصل الحضري الفلسطيني القائم بين رام الله والقدس الشرقية، مما يجعل من الصعب إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية". وعلى حساب أراضي قرية شرفات الفلسطينية الواقعة غرب بيت صفافا وشمال بيت جالا جنوب القدس، تسعى السلطات الإسرائيلية كذلك إلى المسارعة في إقامة مستوطنة "غفعات شاكيد"، بإضافة 400 وحدة استيطانية إلى 700 وحدة تمت المصادقة عليها سابقاً، على مساحة تبلغ 50 ألف متر مربع كانت مخصصة لتوسع قرية بيت صفافا، بحسب الخريطة الهيكلية لبلدية القدس التي أقرت عام 1992. وبحسب ما هو معلن في لجنة التخطيط، سيقام الحي الاستيطاني الجديد على 38 ألف متر مربع للفلسطينيين، وستُبنى 700 وحدة سكنية استيطانية وكنيس ومدرسة وأماكن للترفيه.
الاستيطان الإسرائيلي الذي بدأ في قريةبيت صفافا عام 1948، قلص مساحتها التاريخية من 5.3 مليون متر مربع إلى 2.5 مليون متر مربع (اندبندنت عربية)
وبحسب مؤرخين وكبار سن من عائلة لافي داخل قرية بيت صفافا، فإن الاستيطان الإسرائيلي الذي بدأ في قريتهم عام 1948، قلص مساحتها التاريخية من 5.3 مليون متر مربع إلى 2.5 مليون متر مربع فحسب، وذلك بعد بناء مستوطنات عدة على أراضي القرية، أبرزها المنطقة الصناعية (تلبيوت) ومستوطنة "بات" ومستوطنة "جيلو" و"جفعات همتوس". واستولى المستوطنون منذ عام 1967 على 12 بيتاً، إضافة إلى تحويلهم أكبر مستشفى في فلسطين للأمراض السارية الذي بُني عام 1936 إلى مدرسة دينية يهودية. ويرى سكان القرية أن موقع القرية الاستراتيجي الواصل بين مستوطنات عدة، إضافة إلى بعدها من مركز القدس سبعة كيلومترات فحسب، ومثلها أيضاً من مركز مدينة بيت لحم، هو ما جعلها مطمعاً للمستوطنين بصورة كبيرة.
T1
بعد أن ألغى ترمب أمراً تنفيذياً أصدره سلفه جو بايدن وينص على فرض عقوبات على المستوطنين الإسرائيليين المتورطين بأعمال عنف ضد فلسطينيين، يسود في صفوف قادة المستوطنين داخل الضفة الغربية والقدس اليوم شعور متزايد بالنشوة، لقناعتهم التامة بأن ترمب دخل إلى البيت الأبيض وفي جعبته "جدول عمل واضح"، يشمل توسيع الاستيطان من خلال شرعنة بؤر استيطانية عشوائية، وإخراج مخططات بناء في المستوطنات إلى حيز التنفيذ، وضم مناطق في الضفة إلى إسرائيل. وفي إطار الاعتراف بالدعم الأميركي لإسرائيل خلال ولاية ترمب الثانية، أعلن رئيس مجلس مستوطنة معاليه أدوميم، جيا يفراح، عن قرار تغيير اسم منطقة E1"" شرق القدس إلى "ترمب 1" أو اختصاراً "T1"، موضحاً أن هذا القرار يأتي في ظل توقعات قوية ببناء حي استيطاني في منطقة "E1"، التي تربط مستوطنات القدس بمستوطنة معاليه أدوميم.
اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأكد يفراح أن ولاية ترمب الثانية تمثل فرصة غير قابلة للتكرار لتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، خصوصاً في مستوطنة معاليه أدوميم التي يتبع التوسع الاستيطاني داخلها في العادة انتقادات دولية واسعة، كونها تمتد من القدس شرقاً باتجاه البحر الميت، وتسعى إسرائيل عبر توسيعها لتقسيم الضفة الغربية إلى قسمين شمالي وجنوبي، في محاولة لجعل إمكانية إنشاء دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً. وأشارت صحيفة "هآرتس" إلى أن قادة المستوطنين يستندون في آمالهم بتوسيع الاستيطان إلى علاقاتهم الوثيقة مع المسؤولين في إدارة ترمب السابقة ومع قياديين في الجالية الإيفانجيلية المؤثرة في ترمب. ونقلت الصحيفة عن رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان في أعقاب الإعلان عن فوز ترمب، قوله إن "عبئاً كبيراً أُزيل"، مشيراً إلى أن "الضغط الأميركي خلال ولاية بايدن والذي كان يؤثر في أي أمر من الناحيتين الأمنية والاستيطانية، سيتوقف أو يضعف".
دعا وزير المالية الإسرائيلي اليميني بتسلئيل سموتريتش إلى ضم المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية (اندبندنت عربية)
إعلان جديد
ودعا وزير المالية الإسرائيلي اليميني بتسلئيل سموتريتش علناً بعد وقت قصير من فوز ترمب في الانتخابات خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، إلى ضم المستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية. وقال إنه "يجب أن يكون 2025 عام السيادة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)". ونقلت القناة الـ"14" الإسرائيلية عنه خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي تأكيده أنه لن تكون هناك أبداً ما وصفها "بدولة إرهابية عربية تهدد وجود إسرائيل". كذلك نقلت إعلانه مصادرة نحو 24 مليون متر مربع من أراضي الضفة الغربية لمصلحة التوسع الاستيطاني. وقالت القناة إن قرار مصادرة الأراضي الفلسطينية "سيسمح بتعزيز التخطيط والبناء في مستوطنات الضفة الغربية بصورة غير مسبوقة"، مؤكدة أن الإعلان الجديد يشكل نحو نصف مساحة الأراضي المصادرة منذ اتفاق "أوسلو" 1993 التي بلغت إجمالاً نحو 50 مليون متر مربع، والتي تحولت لأراضي دولة تابعة لإسرائيل.