العراق: تضخم أعداد منتسبي "الحشد الشعبي"
يعود ملف مقاتلي "الحشد الشعبي" في العراق إلى واجهة الأحداث، مع الحديث عن ازدياد كبير في أعداد هؤلاء، مع ما يترتب على ذلك من ارتفاع في الميزانية الخاصة بـ"الحشد". وتحدث النائب المستقل في مجلس النواب العراقي سجاد سالم، أخيراً، عن وجود زيادة مفاجئة تصل إلى عشرات الآلاف بأعداد منتسبي هيئة الحشد الشعبي. وقال سالم، في تصريحات صحافية من داخل مجلس النواب، إنه "في عام 2014 تطوع العراقيون للانضمام إلى صفوف "الحشد الشعبي" حيث كانت هناك حرب ضد تنظيم داعش، ووصل عددهم إلى حوالي 60 ألف متطوع"، مشيراً إلى أنه "بحلول عام 2021 كان لدينا 100 مقاتل في الحشد الشعبي، وفجأة أصبح لدينا 236 ألف مقاتل في عام 2023. من أين جاء 136 ألف مقاتل؟ حيث ارتفعت الموازنة المخصصة لهيئة الحشد من 1 تريليون دينار عراقي (الدولار يساوي 1320 ديناراً عراقياً وفقاً للسعر الرسمي) إلى ثلاثة تريليونات دينار".
نمو سريع لموازنة "الحشد الشعبي" وتنمو ميزانية "الحشد الشعبي" المالية بشكل سنوي وسريع. ففي موازنة عام 2021 كانت ميزانية الهيئة أكثر من ملياري دولار، لكنها ارتفعت في 2023 إلى 2.6 مليارات دولار. وفي إبريل/ نيسان 2023، قال رئيس "الحشد الشعبي" فالح الفياض إن "أعداد عناصر ومقاتلي الحشد الشعبي كانت 170 ألف عنصر حتى إقرار ميزانية عام 2022، التي سميت بالأمن الغذائي، والتي سمحت بإضافة نحو 30 ألف عنصر من المفسوخة عقودهم. وتم استيعاب هؤلاء، حتى بلغت الأعداد حالياً أكثر من 200 ألف عنصر، وتحديداً قرابة 204 آلاف عنصر". واعترف الفياض، آنذاك، بأن "الفساد منتشر في جميع فصائل الدولة والمجتمع ومن ضمنها الحشد والجيش".
مصدر: الأحزاب تستخدم حجة أصحاب العقود المفسوخة لتعيين أعداد كبيرة من الشباب
وقال مصدر سياسي مطلع على عمل هيئة "الحشد"، لـ"العربي الجديد"، إن "الأحزاب الشيعية تواصل تعيين الشباب في هيئة الحشد الشعبي، وعلى شكل دفعات، وكل دفعة لا تقل عن ألفي منتسب، وهي تستخدم حجة أصحاب العقود المفسوخة لتمرير وتعيين أعداد كبيرة من الشباب". وأضاف أن "هذه الأعداد الهائلة ليست جميعها مُستخدمة لمواجهة الإرهابيين وتأمين المدن، بل إن نسبة لا تقل عن 20 بالمائة مُفرغة للعمل في المكاتب السياسية والإعلامية للأحزاب، فضلاً عن حماية الشخصيات". ولفت إلى أن "التعيينات المستمرة في هيئة الحشد الشعبي، ترافقها زيادة في الميزانية والنفقات"، مشيراً إلى أن "دفعات التعيينات ما تزال متواصلة، ولم تنقطع خلال العامين الماضيين، مع العلم أن وزارة المالية كثيراً ما تحدثت عن ضرورة إيقاف ترويج معاملات التعيينات، لكن ألوية الحشد والأحزاب تستمر في التعيين".
وخلال الفترات الماضية، اتُهمت هيئة "الحشد" بإدراج آلاف الأسماء الوهمية ضمن جداول التعيينات، لتُدخل مليارات الدنانير العراقية في خزائن الأحزاب وبعض الفصائل المسلحة، لممارسة نشاطات تجارية وأخرى عسكرية ضد الوجود الأميركي في البلاد، وتمويل وسائل الإعلام الخاصة بها لمهاجمة الحراكات السياسية المناوئة لها، وتحديداً المدنيين والعلمانيين في البلاد.
وفي العام 2020، تمت معادلة مرتب عنصر "الحشد الشعبي" بمرتبات الجنود بالجيش العراقي، والبالغ واحدها مليوناً و250 ألف دينار شهرياً (ما يقارب الألف دولار)، إلى جانب مساواتهم بالمخصصات المتعلقة بالسكن وغيرها، مع التأكيد على توزيعهم وفقاً لنظام الألوية العسكرية. لكن عملياً ما زال كل فصيل مسلح يحافظ على اسمه وعناصره وارتباطاته السياسية والعقائدية، فضلاً عن تقاسم مناطق النفوذ والتواجد بين مختلف المحافظات التي ينتشر بها. ومنتصف العام الماضي، أضافت الحكومة العراقية مبلغ 812 مليار دينار (نحو 600 مليون دولار) إلى موازنة "الحشد الشعبي" دون زيادة أعداد مقاتلي "الحشد"، من الموازنة العامة العراقية لعام 2024، والبالغة 211 تريليون و861 مليار و312 مليوناً و504 آلاف دينار.
الكاظمي: التعيينات ليست عشوائية من جهته، قال القيادي في منظمة "بدر"، عضو البرلمان العراقي معين الكاظمي، لـ"العربي الجديد"، إن "التعيينات في الحشد الشعبي تتم بناءً على التقديرات الإدارية والحكومية، وهي ليست عشوائية أو انتقائية، بل إن الحاجة تقتضي إلى التعيينات، وخلال الفترات الماضية توقفت التعيينات في هيئة الحشد، ثم تقرر عودة بعض من شريحة المفسوخة عقودها". وأضاف أن "الحشد الشعبي لا يستغل الدولة ومواردها، بل يحمي الدولة ومواردها، وأن الحشد مؤسسة رسمية، لكن للأسف ما تزال بعض الجهات تتعامل معها على أنها جماعات غير قانونية، وهذا غير صحيح".
عبد الله الركابي: استخدام الحشد لمنافع مادية سيؤثر على دوره العسكري
أما الباحث في الشأن العراقي عبد الله الركابي فقال إن "الحشد الشعبي يمارس دوراً أمنياً دفاعياً مهماً بالنسبة للعراق وأمن العراقيين، لكن في الوقت نفسه لا يمكن القبول بأن تكون التعيينات الفائضة عن اللزوم عبئاً على الاقتصاد العراقي، خصوصاً أن الدولة تمول الحشد الشعبي، وداخل الحشد هناك فصائل تخالف وجهة نظر الحكومة في بعض المواقف وتقوم بإحراجها". وأشار الركابي إلى أن "أمن العراق مهدد دائماً، خصوصاً أنه في منطقة ملتهبة لا تهدأ أبداً، وللحشد سجل حافل من التضحيات لا يمكن نكرانها، لكن التعامل معه على أنه أداة لتحقيق منافع مالية من قبل بعض القادة السياسيين واستخدامه انتخابياً، ومواصلة زج الشباب فيه بحجج كثيرة، سيؤثر على الدور العسكري لهذه القوة التي شاركت في عمليات عسكرية صعبة وأسهمت بتحرير العراق من الإرهاب".