المكاتب الاستشارية لأقارب المسؤولين!

أصدر مجلس النواب براءة من شبهات الفساد بحق مسؤول سابق كان قد تم إحالة عطاء رئيسي تحت إدارته إلى مكتب هندسي مملوك لزوجته. لا أريد أن أخوض في التفاصيل كثيرا، فالرجل اصدر بيانا في الصحف معربا عن أسفه لعدم قدرته على مقاضاة من "شهّر بسمعته” خلال الفترة الماضية بعد مرور43 شهرا على القضية، و لا أعرف ولا أريد أن أعرف لماذا هذه الفترة بالذات.


القضية ببساطة تقع في مكان ما بين القانون وأخلاقيات العمل العام. لا يوجد في القانون ما يمنع مسؤولا ما من أن يستمر في "ممارسة” العمل التجاري من خلال أحد أفراد العائلة سواء زوجة أو شقيق أو غير ذلك، ولكن لا بد من التأكيد بأن هنالك أبعادا سياسية وأخلاقية يجب أن تمنع اي مسؤول ليس فقط من إحالة عطاء إلى مكتب هندسي/استشاري يملكه قريب من الدرجة الأولى بل يجب ألا يتم السماح بمشاركة مثل هذه المكاتب في العطاءات أصلا.

نحن لسنا أكثر أخلاقية ونزاهة من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة التي تطلب من اي موظف فيها عضو في لجنة إحالة عطاءات أو مسؤول صاحب قرار في منح العطاءات أن يعلن عن اسماء كافة الشركات الاستشارية التي له مصلحة مالية/عائلية فيها بحيث لا يتم السماح لها بالمنافسة على العطاءات، وذلك حماية لمصالح كافة الشركات الأخرى، فمن الذي سيتأكد أن الشروط المرجعية للعطاء لم يتم وضعها على مائدة غداء بين المسؤول وزوجته أو شقيقه بحيث يتم منح كافة المعلومات لهم؟

حكومة سمير الرفاعي والتي نالت غضبا شديدا من الرأي العام، بعضه مفهوم وبعضه ظالم قامت بعمل استثنائي لم تسبقها إليه حكومة أخرى وهي إقرار الوزراء على مدونة سلوك خاصة بهم تمنع عليهم العضوية في مجالس إدارة شركات خاصة او العمل في شركات بعد الخروج من الوزارة لمدة سنتين. هذه المدونة التزم بها الغالبية العظمى من الوزراء حتى بعد خروجهم من الوزارة وبعضهم في واقع الأمر عانى خسارة مالية ووقتا طويلا لاستعادة موقعه الوظيفي أو المالي قبل الحكومة.

هذه هي الطريقة المطلوبة في إدارة المناصب العامة في الدولة. لا يجوز أن يجتمع البزنس مع السياسة والإدارة العامة في بيت واحد وإذا كان القانون لا يتضمن مثل هذا المنع، ويقتصر فقط على توجهات تختلف من حكومة لأخرى فمن الأجدر تحديث الإطار التشريعي ليشمل شروطا واضحة تمنع "مزاولة” الوزير أو أمين العاصمة أو رئيس البلدية أو مدير المشروع وغيرها من المناصب التي تتضمن منح العطاءات اية أعمال تجارية بشكل مباشر وتمنع كذلك دخول شركات مملوكة لأقربائه من الدرجة الأولى في العطاءات التنافسية.

من الضروري التأكيد على أن التشريعات القانونية وحدها لا تكفي بدون أدوات الرقابة المسبقة والتي تمنع الفساد، وشبهات الفساد من حدوثها وليس معالجتها وتبريرها بعد التنفيذ. وإلى حين ذلك فإن الرسالة الأهم من قرار مجلس النواب الأخير تتضمن "يمكن لكافة المسؤولين الآن إنشاء شركات استشارات بأسماء زوجاتهم او ابنائهم وإحالة العطاءات إليهم فلا توجد شبهات فساد في ذلك”، وبعد ذلك نتساءل لماذا يخرج الناس في المسيرات والاحتجاجات؟