انتقادات عالمية ل"ميتا": هل يقود زوكربيرغ العالم نحو عصر بلا حقائق؟
أثار إعلان شركة "ميتا" بقيادة مارك زوكربيرغ، الثلاثاء، وقف العمل بنظام مدققي الحقائق على منصاتها، مثل فيسبوك وإنستغرام وثريدز وواتساب، موجة من الانتقادات الدولية الواسعة، وسط تحذيرات من تأثير هذا القرار بالديمقراطية والمجتمعات.
الصحافية الحائزة جائزة نوبل للسلام، ماريا ريسا، حذّرت من أن إنهاء التحقق من الحقائق وإزالة القيود على مواضيع معينة يعني أن "أوقاتاً خطيرة للغاية" تنتظر الصحافة والديمقراطية ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
وأضافت الصحافية الأميركية الفيليبينية أن تخفيف تعديل المحتوى على منصات فيسبوك وإنستغرام قد يؤدي إلى "عالم بلا حقائق"، وهو "عالم مناسب للديكتاتور". وأشارت، في حديثها إلى وكالة "فرانس برس"، إلى أن زوكربيرغ يبرر ذلك باعتباره قضية حرية تعبير، لكنها ترى أن هذا "خطأ تماماً"، وأنه يتعلق بالسلامة وليس بالحرية.
ورفضت ريسا ادعاء زوكربيرغ بأن مدققي الحقائق كانوا "متحيزين سياسياً للغاية" و"دمروا المزيد من الثقة أكثر مما خلقوها"، مؤكدة أن الصحافيين يتبعون معايير وأخلاقيات محددة، وأن ما تفعله فيسبوك هو التخلص من ذلك والسماح للأكاذيب والغضب والخوف والكراهية بالانتشار على المنصة.
وأعلن مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا"، أمس الثلاثاء، تغييرات كبيرة في سياسات الشركة، حيث قررت إلغاء مدققي الحقائق في الولايات المتحدة واستبدالهم بخدمة تعديل تعتمد على الجمهور، مشابهة لميزة "ملاحظات المجتمع" في منصة "إكس". وأضاف أن ميتا ستتخلص أيضاً من "مجموعة من القيود المفروضة على مواضيع مثل الهجرة والجنس والتي لا تتوافق مع الخطاب السائد" و"ستعمل مع الرئيس ترامب للرد على الحكومات في جميع أنحاء العالم التي تلاحق الشركات الأميركية وتدفع إلى فرض المزيد من الرقابة".
بالإضافة إلى ذلك، انضم عدد من الشخصيات المحسوبة على الحزب الجمهوري والمقربة من الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى مجلس إدارة "ميتا".
في تحديث لسياسة خطاب الكراهية الذي أُعلن يوم الثلاثاء، والذي رصدته صحيفة The Independent لأول مرة، حذفت الشركة الأم لتطبيقات Meta العديد من البنود التي كانت تحظر التصريحات المهينة المحددة تجاه المجموعات المحمية. كذلك أضافت استثناءات مفصلة تتعلق بالخطاب المعادي للمتحولين جنسياً. وأشارت الصحيفة إلى اختفاء البند الذي ينص على أنه لا يجوز مقارنة النساء بـ"الأشياء أو الممتلكات المنزلية". كذلك أُزيل الحظر الذي يمنع الادعاء أنه "لا يوجد شيء مثل" الشخص المتحول جنسياً أو المثلي.
مخاوف في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة في بروكسل، ردت المفوضية الأوروبية على بيان مارك زوكربيرغ يوم الثلاثاء، الذي استشهد فيه بأوروبا مكاناً فيه "عدد متزايد من القوانين التي تؤسس للرقابة"، في إشارة إلى قانون الخدمات الرقمية الخاص بالاتحاد الأوروبي، الذي ينظم المحتوى عبر الإنترنت. وقال متحدث باسم الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي: "نحن ندحض تماماً أي ادعاءات بالرقابة"، مشيراً إلى أن "لا شيء على الإطلاق في قانون الخدمات الرقمية يجبر أو يطلب من المنصة إزالة المحتوى القانوني".
وأضاف زوكربيرغ أن سياسته في التخلي عن مدققي الحقائق تنطبق فقط في الولايات المتحدة في الوقت الحالي، ولكن هجومه على أوروبا أثار مخاوف من أنه يخطط لتطبيق هذا النهج في أوروبا أيضًا. ويُلزم قانون الخدمات الرقمية في أوروبا شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل فيسبوك وإنستغرام، بمكافحة المحتوى غير القانوني عبر الإنترنت والتخفيف من حدة التضليل أو التلاعب بالانتخابات.
وفي المملكة المتحدة، قالت تشي أونوراه، عضو البرلمان عن حزب العمال البريطاني ورئيسة لجنة العلوم والتكنولوجيا في مجلس العموم، التي تحقق في كيفية تأجيج التضليل عبر الإنترنت لأعمال الشغب في الصيف الماضي، إن قرار زوكربيرغ باستبدال مدققي الحقائق المحترفين بمستخدمين يراقبون دقة المنشورات كان "مقلقاً" و"مخيفاً للغاية".
وقالت منظمة المجتمع المدني ARTICLE 19 إن هذه الخطوة تمثل "محاولة صارخة لتلبية مصالح سياسية محددة". وجاء في بيان عممته المنظمة البريطانية المعنية بحقوق الإنسان وحرية التعبير في أعقاب قرار ميتا: "يبدو أن النهج الذي حدده مارك زوكربيرغ يكرر من كثب نقاط الحديث المأخوذة من وسائل الإعلام المحافظة في الولايات المتحدة، التي انتقدت منذ فترة طويلة ممارسات تعديل المحتوى الخاصة بشركة Meta باعتبارها متحيزة ليبرالياً مع القليل من الاهتمام بحقوق الإنسان الفعلية وتحديات حرية التعبير على منصاتها".
وأعربت المنظمة عن قلقها بشأن تصريحات زوكربيرغ حول "العمل مع الرئيس ترامب للرد على الحكومات في جميع أنحاء العالم التي تلاحق الشركات الأميركية"، وأبدت مخاوفها من أن هذه طريقة سياسية "ملائمة لتقويض أي محاولات للمساءلة من خلال تنظيم التكنولوجيا" التي يعمل عليها الاتحاد الأوروبي.
وقالت نينا جانكوفيتش، الرئيسة التنفيذية لمشروع American Sunlight Project، في منشورٍ على موقع بلو سكاي: "إن إعلان زوكربيرغ انحناء كامل للركبة أمام ترامب ومحاولة لملاحقة ماسك في سباقه نحو القاع"، في إشارة إلى الملياردير التكنولوجي إيلون ماسك.
واعتبرت صحيفة ذا غارديان أن مارك زوكربيرغ ومنتجه "لم يُدمّر نماذج الصناعة فحسب، بل دمّر أيضًا الأعراف الاجتماعية وتوقعات موثوقية المعلومات". وأضافت الصحيفة أنه في الجنوب العالمي "قلب حياة الناس رأساً على عقب".
خطر على الجنوب العالمي وتبدو المخاوف أكبر خارج الولايات المتحدة، حيث قالت فرانسيس هاوجن، الموظفة السابقة في ميتا، إنها أصبحت مُبلغة عن المخالفات "لإنقاذ أرواح الناس، وخصوصاً في الجنوب العالمي، الذين أعتقد أنهم معرضون للخطر بسبب إعطاء فيسبوك الأولوية للأرباح على الناس".
في ميانمار، ألقى محققو الأمم المتحدة باللوم على انتشار خطاب الكراهية على فيسبوك في تأجيج المذابح التي قتلت عشرات الآلاف من مسلمي الروهينغا. واعترفت المنصة بأنها استُخدمت للتحريض على العنف خارج الإنترنت. في الهند، اتُّهمت شركة ميتا بالفشل في وقف انتشار خطاب الكراهية المعادي للإسلام، والدعوات إلى العنف ونظريات المؤامرة المعادية للمسلمين على منصاتها.
وكما حذرت الحائزة جائزة نوبل للسلام ماريا ريسا، فإن الأمر يتعلق بالسلامة. ستكون هذه التغييرات مدمرة في كل مكان، لكنها تهدد بأشد الضرر في البلدان التي تتمتع فيها ميتا بهيمنة غير عادية على السوق، حيث تعمل الحكومات نفسها على تحريض خطاب الكراهية أو التضليل، وحيث انتشرت مثل هذه المواد بالفعل إلى تأثير مدمر ومميت في بعض الأحيان.
في أكتوبر/ تشرين الأول، زعمت منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان أن السلطات في الفيليبين تستخدم فيسبوك "لإدراج علامات حمراء" على النشطاء الشباب، وهو مصطلح يشير إلى تصنيف النشطاء وغيرهم على أنهم "متمردون شيوعيون" و"إرهابيون".
في عام 2018، بعد مذبحة مسلمي الروهينغا على يد الجيش في ميانمار، اعترفت شركة فيسبوك بأن المنصة استُخدمت "لإثارة الانقسام والتحريض على العنف خارج الإنترنت". وبعد ثلاث سنوات، زعمت منظمة حقوق الإنسان، غلوبال ويتنس، أن فيسبوك كان يروج لمحتوى يحرض على العنف ضد المتظاهرين السياسيين في ميانمار. وقالت فيسبوك إنها اكتشفت بشكل استباقي 99٪ من خطاب الكراهية الذي أُزيل من المنصة في البلاد.