من يدير حلبة الملاكمة في الاردن؟!
أقرأ في استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية،ان ستين بالمائة من الذين تم استطلاع رأيهم يؤيدون بقاء الصوت الواحد،ويرفضون القانون الجديد الذي أصدرته الحكومة،وهي نسبة مرتفعة للغاية،والنسبة ثقيلة على قلب الاسلاميين.
في المقابل يقول لي القيادي في الحركة الاسلامية الصديق زكي بني ارشيد،ان الشعب الاردني يرفض القانون الجديد،واذ أسأله بمن يقصد بتعبير الشعب الاردني،وهل هم اولئك الذين يؤيدون الاسلاميين،ام بقية الناس ام خصوم الحركة،ام الجميع،لان لا احد قادر على النطق باسم كل الشعب،فلا يجيب.
هناك اعجوبة جديدة في البلد،فالكل يلاكم الكل،الاخوان المسلمين يلاكمون الحكومة و لا يريدون القانون،وستين بالمائة من عينات الاستطلاع لا تريد القانون وتريد الصوت الواحد وتلاكم الاسلاميين،عمليا،والنواب يلاكمون الحكومة،لان في القانون اعلان نعيهم،والشعب يلاكم الحكومة والنواب معا،لغياب الثقة فيهما.
زميلنا ناهض حتر في «العرب اليوم» يرفض القانون لانه يدعم الاسلاميين،وتم تفصيله للاردنيين من اصل فلسطيني،باعتبارهم كتلة سكانية تسعى للمحاصصة،وفقا لرأيه،فيما زميلنا بسام بدارين مراسل «القدس العربي» يرى العكس ويرفض القانون لانه يضطهد الاردنيين من اصل فلسطيني،ويكرس الحقوق المكتسبة لجزء من المواطنين،على حساب اخرين،وفقا لرأيه.
هكذا اذن،يتلاكم الجميع،ويتفقوا على ان لا يتفقوا،فلا تعرف من هو الصحيح ومن هو المخطئ،ولا تعرف لمصلحة من تدار لعبة الصراع في الداخل الاردني ولعبة الملاكمة التي أدمت وجوه الجميع،وأمتعت الذي يديرها بدهاء عز نظيره،بحيث نشقى نحن،ويسلم هو؟!.
هذه هي الاجواء في عمان،مخاوف يتم تسييلها عبر العصب العام،على صعيد قانون الانتخاب،وعلى صعيد الاصول والمنابت،وعلى صعيد الارقام الوطنية،وعلى صعيد الوضع الاقتصادي،وعلى الصعيد الاجتماعي،الى آخر ُحقن المخاوف التي يتم حقن الناس بها يوميا.
يضاف اليها بث الكراهية والمخاوف في المحافظات بين الناس بطريقة أوصلت الناس الى حالة من الشك في كل شيء،والى الصراع على مقعد بلدي او نيابي،ومن هو اقرب للدولة،ومن هو متمرد،ومن هو موال ٍ ومن هو خارج عن الصف،على قاعدة فرق تسد؟!.
لا تدار الدول بهذه الطريقة،هذه طريقة بائسة في ادارة الدول والشعوب،طريقة تعتمد على تغذية المخاوف بين الناس،وبين الناس والدولة،وتقوم على اساس اذكاء المخاوف من المستقبل،وعلى اساس اثارة النعرات والرغبات والمعارك.
علينا ان ننتبه الى ان ردود فعل كثيرة،كالتي ذكرتها لا تأتي وظيفيا لخدمة هذا الهدف،بقدر كونها مرآة تتأثر بالسموم التي يتم حقن العصب العام بها، وكل يوم لدينا قصة،غير سابقتها،ومن يبلور ردود الفعل لا يلام،لانه ضحية من يدير الحلبة،ومن يختار المتلاكمين،وتوقيت المباراة؟!.
هناك تشويش عال ٍ جدا تشارك به الحكومات والنواب ووسائل الاعلام والنخب ورجال الظل ورجال الاعمال،وجهات خفية،تشويش على كل المستويات.
وصلنا الى مرحلة لو غاب فيها المطر لقلنا ان السبب جماعة الحقوق المكتسبة في المحافظات،أي الشرق اردنيين وفقا لتعبيرات البعض،ولو غاب المطر في حالة اخرى لقلنا ان السبب هو جماعة الحقوق المنقوصة في عمان والزرقاء واربد،اي الاردنيين من اصل فلسطيني،وفقا لتعبيرات البعض الاخر.
ما بينهما لايقف الاردني العادي في مدينته او مخيمه او قريته او باديته عند كل هذا الضجيج،لان كل همومه تتعلق برغيف خبزه،وطعام اولاده،واستقرار بيته،وامن حياته،وان يبقى البلد تحت الشمس،لا بيد من يلعبون به.
الخلاصة:قانون الانتخاب يتم توظيفه اليوم من الجميع لتفتيت بنى الداخل،بدلا من رصها،وهكذا نأخذ جميعنا البلد الى الحافة بهذه العقلية،وهذه الشكوك،وهذه الالعاب،التي سرها ادارة مدروسة بذكاء شديد لدب الخلافات بين كل اهل البلد،تحت عناوين مختلفة.
هكذا يتم تحويل الداخل الى حلبة ملاكمة يرتاح فيها الشبح من دور الحكم وصافرته،ويستمتع الجمهور الثري القادر على شراء التذاكر،ويتفرج من بعيد من يتفرج عبر الكاميرا شامتا شاتما هذه الجماهير التي لا تعرف ماذا يحاك لها؟!.
اذ نبدأ بنزع حجارة الهرم،حجراً تلو حجر،فعلينا ان نتوقع سقوط كل الهرم،فهده نتيجة طبيعية لا يمنعها أحد.