حتى الكلاب تنهش أجساد الفلسطينيين

وكأنّ الفلسطينيين في قطاع غزة، ينقصهم مُصيبة أو مصائب أُخرى، فبعد الدمار الذي يتعرضون له ليلَ نهارَ، والمجاعة التي باتت تقريبًا تضرب في كُل بيت، وعطش جراء انقطاع المياه بفعل فاعل، وكذلك الكهرباء، وحرمان المرضى من العلاج.. جاء دور الكلاب كي تنهش أجساد الفلسطينيين، وكأنها تقف في صف الصهاينة المُغتصبين ضد أصحاب الأرض المقهورين.

 

فبُعيد اليوم الخامس والأربعين بعد الأربعمائة، من حرب الإبادة الجماعية، التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، بدعم غربي، بقيادة الولايات المُتحدة الأميركية، والتي خلفت حتى كتابة هذه السطور، ما يقرب من الـ155 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، وأكثر من 11 ألف مفقود، جُلهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

بُعيد تلك المُدة، ما يزال الفلسطينيون في قطاع غزة، يُعانون ويلات الدمار الهائل والمُتواصل على مدار الساعة، ويذوقون ألم المجاعة، التي أتت على الآلاف من المدنيين من أطفال ومُسنين ونساء حوامل، ناهيك عن تدمير المُستشفيات والمراكز الصحية، حتى الخيام، التي يتبرع بها الغرب المُخادع الكاذب، الذي يكيل بمكاييل عدة، أصبحت لا تقي برد الشتاء.. نستطيع أن نُطلق على ذلك كُله بأنه أسوأ كارثة شهدها العالم، منذ أن وجدت البشرية على امتداد الكرة الأرضية.
وفي وقت صمت فيه العرب والمُسلمون، عن تلك المجازر والإبادات الجماعية التي تُرتكب في وضح النهار، وعلى مسمع ومرأى العالم أجمع، كانت صُحف الاحتلال الإسرائيلي، وأقصد هُنا «هآرتس»، تُسلط الضوء من خلال تحقيق على فظائع ارتكبها جنود الصهاينة بحق أهل غزة، الذين باتوا ومنذ أعوام يُعانون الأمرين.
فقد أكد التحقيق بأن جنود الاحتلال يقتلون وبدم بارد كُل مدني يمشي في الطريق، كما يؤكد قائد عسكري أنه بعد إطلاق النار، «لا يتم جمع الجثث، لتأتي مجموعات من الكلاب لتأكلها»، وتنهشها.. تخيل أيها القارئ أو المُتابع أن أحد الصهاينة المُغتصبين يعترف بذلك، ونحن وكأننا فقدنا الإنسانية، وبلا أي ضمير، ولا أخلاق، ولا حتى مروءة ونخوة كتلك التي كان يتمتع بها أهل الجاهلية الأولى.
أي بلادة وصلنا إليها، أي ظلم نرتع إليه أو عنده، فعندما يصل الفلسطيني إلى درجة يصل معها إلى الفرار من مكان توجد فيه كلاب، خوفًا على جسده من بعد القتل، فذلك أعتى مراحل الظلم، والابتعاد عن العدل.. يا ليتنا نمتلك مروءة ونخوة عمرو بن هشام (أبي جهل) عندما نطق لسانه مقولته المشهورة، عندما أراد الخلاص من الرسول الكريم: «أتقول العرب عني أني روّعت بنات محمد، وهتكت بيته».
أصبح الكثير منا، يُمني النفس بأن يُصبح العرب مثل الببغاء في ترديد قرارات المحكمة الجنائية الدولية، والتي أصدرت مُذكرتي اعتقال، في الحادي والعشرين من شهر تشرين الثاني 2024، بحق الإرهابي رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، ووزير حربه السابق يوآف غالانت، لـ»ارتكابهما جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة».
وصلنا إلى درجة نتمنى معها أن نُكرر، فقط، أسئلة من قبيل «هل يستحق الإرهابي نتنياهو، مُذكرة التوقيف تلك؟»، فالجواب طبعًا بالإيجاب، إذ لم يتوان ولو للحظة واحدة عن قصف للمدنيين العُزل من أطفاء ونساء وشيوخ، وكذلك دور عبادة، وشقق سكنية، بالإضافة إلى جامعات ومدارس، ومنارات ثقافية وتاريخية وحضارية، وذلك من أجل تحقيق غاية وحيدة، تتمثل بتهجير الفلسطينيين، وقبل ذلك تجويعهم، وقطع مياه الشرب عنهم، وكذلك حرمانهم من وصول المُساعدات إليهم.