الهوية الوطنية الأردنية بين الواقع والطموح
تعتبر الهوية الوطنية من القضايا المحورية التي تمثل الأساس الذي يتوحّد حوله أبناء الوطن. ولعل تعزيز هذه الهوية يعدّ من الأمور الأساسية التي تستحق الاهتمام المستمر، حيث تشكّل هذه الهوية عنصراً حيوياً في الحفاظ على الإرث التاريخي وتعزيز الشعور بالانتماء للوطن وثوابته. إن الهوية الوطنية الأردنية هي واحدة من أبرز سمات المجتمع الأردني، إذ تعكس تجارب وتاريخ هذا البلد الكبير، وتشكّل جسراً مهماً يربط بين الماضي والمستقبل، وتساهم في تشكيل قيم ومعتقدات المجتمع.وعلى الرغم من استقرار مصطلح الهوية الوطنية الأردنية، إلى إنها ونتيجة لعوامل عدّة فيتم الإختلاف على مفهومها جهلا من البعض وعمدا من البعض الآخر، حتّى أصبح هذا المصطلح جدلي وتختلف به الآراء نتيجة تجاذات وإرهاصات بعض الشخصيات التي تعمل ليل نهار على دس السم في العسل، حيث أن الأساس في الهوية الوطنية أن تكون غير خلافية وتجتمع الناس حولها، وهذا يتطلب من كافة مؤسسات الدولة البحث في التحديات ووضع خطط حقيقية لرأب الصدع الذي امتهنت عليه فئات عديدة لسلخ الأردني عن وطنه وتجريده من هويته الأصيلة التي بُنيت عليها الدولة الأردنية.فعلى الرغم من وضوح مفهوم «الهوية الوطنية الأردنية» إلّا أن البعض لا يريد فهمه في محاولة مقصودة نحو شيطنته والإفتئات على أبرز سمات الإستقرار في الأردن، مما يؤدي بالمحصّلة إلى تنفيذ أجندات خارجية لبعض الفئات التي تريد شراً للبلد وأمنه، مستغلين بذلك ذريعة وطأة الوضع الإقتصادي وكأننا الوحيدين في العالم الذين نعاني من ذلك، وكذلك استغلال شذاذ الأفق لدى البعض في ترويج فكرة تعدد الهويات الفرعية والتجاذبات حول تفسير مفهوم الهوية، فالأصل أن الهوية الوطنية الأردنية كغيرها من الهويات الوطنية للدول تجمع الجميع ولا تقصي أحداً، بعيداً عن ما تروّج له قوى الشد العكسي بأن من يتحدث الهوية «عنصري وجهوي»، فكل مواطني الدول يفتخرون ويعتزّون بهويتهم، ولا يهتمون من أحد وتندرج تحت الحق الأصيل للمواطنة، ولكن في الأردن غير ذلك، وبالتالي أستشعر بأن هناك فئات تستهدف «قصداً» الوطن والمواطنة الفاعلة وتشتيت وحدة الصف الأردني.مفهوم الهوية يرتبط بالمواطنة بشكل أساسي، وبالتالي لا بد من تعريف من هو الأردني، وبرأيي أن الأردني هو المستوفي للشروط القانونية في حصوله على رقم وطني، إلّا أن هذا لا يكفي لكي يصبغ عليه صفة المواطنة أو المواطنة الحقّة، فيجب أن تقترن الشروط القانونية بالإنتماء لهذا البلد والفخر بحمل جنسيته وأن هويته ومصلحته تتقدم على جميع الهويات والمصالح الفرعية، فكل الدول في العالم قامت على هوية واحدة، بعيداً عن التجاذبات، وهنا كذلك لا يجوز لفئة «أياً كانت» أن تدّعي أنها أكثر مواطنة من فئة أخرى فالمعيار هو «ماذا تقدم لهذا البلد»، فعامل الوطن في موقعه والموظف العام من خلال دوره وكذلك القاضي والمعلم والمزارع.. الخ. وبالتالي فإن أقرب تفسير للمواطنة الحقّة من وجهة نظري هو أن تحمل الهمّ العام وتخصص للمصلحة العامة جزءاً إلى جانب المصلحة الشخصية.ولعلّني أستحضر مثالاً قد لا يعجب البعض، بأن معلم المدرسة أو الموظف العام قد تكون مواطنته أكثر فاعلية من رئيس وزراء أو وزير سابق أو حالي، يبتزّ الدولة ويفضل مصلحته ويتعامل مع الدولة مثل «الشريك المضارب» فقط على المربح، وبالتالي تكون مواطنته مثاراً للشكّ، وبالتالي علينا جميعاً أن نكون مع الدولة وجزءاً منها على المربح والمخسر معاً، فالمواطنة والهوية الوطنية صنوان وخطّان متقاطعان لا يجوز الفصل بينهما والفيصل بيننا الإجابة على سؤال «ماذا قدّمت لهذا البلد؟».ومن هنا فقد أخذت الهوية الوطنية الأردنية عدة أبعاد غنيّة، ويجب البناء عليها وتعزيزها، فمنها التاريخ المشترك الذي جمع الأردنيين جميعاً، فكلنا في الأردن شركاء في البناء والإعمار، والتاريخ النضالي المشترك في الدفاع عن العروبة وفلسطين، إلّا أن ذلك يجب أن لا يُفقدنا السمّة الأهم بأن عمان أهم من كافة العواصم الإقليمية والعالمية، وأن الانتماء للأردن ومشروعنا الوطني الأردني أهم من الولاءات المتعددة للمشاريع الإقليمية،فعلى الرغم من كل التحديات وقوى الشد العكسي، إلّا أن الهوية تبقى هي أبرز السمات التي تشكل وحدة الصف الأردني وتفرّده على المستوى الإقليمي، مما يتوجّب على الأردنيون أن يبقوا ملتزمين بالحفاظ على هويتهم الوطنية، مما يتيح لهم التغلب على الصعوبات وبناء مستقبل مشرق يكرّم تاريخهم وثقافتهم. وهذا يتطلب جهوداً جماعية من جميع فئات المجتمع، سواء من الأفراد أو المؤسسات الحكومية والمدنية في سياق تعزيز هذه الهوية وانعاكسه الإيجابي على المواطنة الحقّة، فالأرض الأردنية لا تحتمل إلى هوية وطنية واحدة، هي الإنتماء للأردن ثم الأردن ثم الأردن ثم ما دون ذلك.حمى الله الأردن شعبا وأرضا وقيادة، وسياجنا قواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية