نتنياهو في أذن ترامب: إيران أولاً

في وابل من أقوال الشر والتبجح التي قالها الرئيس المنتخب ترامب مع فوزه، لمع كالجوهرة تصريح واحد كانت فيه راحة لعالم تعب من جداول الدم والجوع والأطفال مقطوعي الأطراف وخرائب المدن وأقبية التعذيب: "جئت لأنهي الحروب لا لأبدأ حروباً جديدة”، صرح الرئيس المنتخب.

غير أن لكلمات ترامب موعد نفاد قصيراً. فبعد التصريحات المتفجرة عن إنهاء الحروب، عندما سئل إذا كان يرى وضعاً من الحرب بين الولايات المتحدة وإيران، أجاب: "كل شيء قد يحصل”، بمعنى أن هذا منوط بالمزاج الذي يستيقظ فيه، ومن الذي أثار غضبه أكثر.

ترامب معروف أيضاً كمن يتبنى كلام آخر من همس في أذنه، وفي الآونة الأخيرة كانت همسات نتنياهو بشكل مباشر وغير مباشر، بتواتر عال: إيران، إيران ومرة أخرى إيران. نتنياهو لا يندفع فقط لتدمير منشآت النووي لإيران، بل هو في ذروة معركة حياته للحفاظ على قوته السياسية، وفي مثل هذه الأزمنة، يكون للزعماء ميل لهز الذنب.

هل حاملة الطائرات "هري ترومان” التي تشق طريقها إلى الشرق الأوسط تبشر بقرار أمريكي لدخول كل القنابل الذكية إلى الساحة حيال إيران؟ واشنطن الرسمية تعتمل في كل ما يتعلق بالإجراءات حيال إيران: بايدن وترامب على حل سواء، أعلنا بأنهما لن يسمحا لها بالوصول إلى قنبلة نووية. وبالتوازي، ترى واشنطن في إسرائيل بأنها دولة تعرف كيف تنتصر. بعد 7 أكتوبر، اعتبرت كدولة ذات قيادة ضعيفة وجيش في أداء متدنٍ: كانت في عيونهم ضحية وخاسرة على حد سواء.

غير أن الدولاب دار، السنوار صفي، ونصر الله صعد إلى السماء، والأسد سقط، وإسرائيل نجحت في إبادة -بمساعدة أمريكية- قسم كبير من دفاع إيران الجوي، وخربت خلاطات وقود الصواريخ الباليستية. كل واحد من هذه الانتصارات لم يحقق تغييراً جوهرياً، والحروب التي لا تنتهي بتسوية سياسية تحسن للطرفين هي حروب لسفك الدماء وحفظ قوة السلطة. لكن الوضع الجديد في الشرق الأوسط الذي ترتسم فيه إسرائيل من جديد كقوية، خلق جسراً مستقراً تخطط عليه القوى للاندفاع إلى إيران الضعيفة التي يخشى زعيمها الروحي وآية الله التصفية المركزية. إيران فقدت وكلاءها، وتبددت أحلامها بفرض حزام ناري حول إسرائيل.

كان يمكنه أن يجلب نتنياهو صورة نصر محررة: عيناب تعانق متان، المخطوفون يقعون في أحضان أعزائهم. بسخاء المنتصرين، كان يمكنه أن يصل إلى صفقة الكل مقابل الكل، لكن إيران أولاً، في هذه اللحظة. مع الأكل تأتي الشهية.

أضر ترامب إسرائيل في الماضي بشكل دراماتيكي حين مزق الاتفاق النووي مع إيران إرباً، التي التزمت على نحو جميل بنصيبها في الاتفاق. اليد التي مزقت الاتفاق كانت يد ترامب، لكن الصوت صوت نتنياهو. منذئذ، قامت إيران بقفزة طريق مهمة نحو القنبلة النووية: في وردية ترامب، الذي وعد بجلب اتفاق أفضل، الأمر الذي لم يفعله قط، مثلما لم يجلب "صفقة القرن” كما وعد بين إسرائيل والفلسطينيين.

عندما يدخل ترامب البيت الأبيض، ستكون أمامه معضلة فتاكة: هل يمتطي الزخم ويسير بكل قوة على رأس إيران، أم سيذهل العالم في تحقيق اتفاق تطبيع في الشرق الأوسط يضم إيران، ويلمس محور السعودية.

كل واحد من هذين الخيارين قد يتفجر في وجهنا. من المفضل اتفاق تطبيع، فإسرائيل وإن كانت ستضطر إلى تقديم تنازلات، فسيكون هذا أليماً، لكنه أقل إيلاماً.