موازنة ذات فائض!
تشير ارقام وزارة المالية عن شهر
كانون الثاني2012 إلى تحقيق فائض في الموازنة قدره 5ر65 مليون دينار، وهي
نتيجة مفرحة لو كانت تدل على اتجاه جديد، ولكنها للآسف ليست كذلك.
تحقيق
فائض في الشهور الأولى من السنة أمر معتاد في كل سنة تقريباً لسببين:
أحدهما شكلي وهو تأجيل دفع بعض المصروفات المستحقة بحجة التأخير في صدور
الموازنة، وثانيهما وهو الأهم أن الوزراة تبقي الدفاتر مفتوحة لمدة أطول في
نهاية السنة، مما يعني أن كل مصاريف والتزامات السنة السابقة تدخل في
الحساب ولا تدّور لشهر آخر كما يحدث في باقي الشهور.
بذلك
يظهر عجز أكبر من المعتاد في الشهر الأخير من كل سنة، ويظهر فائض جيد في
الشهر الاول، ولكن هذا لا يعطي مؤشراً عما سيحدث خلال السنة.
هذه
الظاهرة تكتسب تأثيرأً أكبر في حالة تغيير الحكومة في أواخر السنة، إذ
تحرص الحكومة الجديدة على تحميل السنة الماضية بأكبر قدر من المصاريف، سواء
دفعت أم لم تدفع، كما تؤجل - إذا استطاعت - قيد بعض الإيرادات، وبذلك
تستلم الحكومة الجديدة موازنة سنة نظيفة ليس عليها مستحقات مدورة تدفع في
عهدها وتحسب على سنتها.
هذه النتيجة الإيجابية لا تغير
التخوف من سنة مالية صعبة جدأً، فالعجز المقرر في الموازنة المركزية وفي
الوحدات الحكومية المستقلة يناهز مليارين من الدنانير. وإذا لم تتحقق
الإصلاحات التي أخذت بالاعتبار عند إعداد الموازنة، وخاصة في مجال الدعم
الاستهلاكي الشامل، فإن العجز سيرتفع بمقدار مليار دينار ثالث.
يذكر
أن ديون شركة الكهرباء الوطنية لم تعد تحسب بمئات الملايين من الدنانير
فقط، بل دخلت في مرحلة المليارات. وإذا استمرت الأوضاع الراهنة بدون تدخل
سريع، فإن الشركة التي تملكها الحكومة وتدير عملية دعم الكهرباء وتتحمل
تبعاتها سوف تستدين بكفالة الحكومة بقدر ما سوف تستدين الخزينة نفسها.
من
غير المفهوم أن يستمر بيع الكهرباء بنصف الكلفة، وعندما جرت محاولة تلطيف
الوضع قليلاً، تراجعت الحكومة بسرعة وكأنها تملك أموال قارون، مع أن كل ما
تستطيع عمله هو إغراق البلد بالديون، وتأجيل الحل، وترحيل المشكلة إلى
المستقبل.