
من سيعوض أطفال غزة؟!
جلس على الأرض، بين الأنقاض التي كانت بالأمس منزله، عيناه مثبّتتان على الأفق، وكأنه ينتظر أن يخرج والداه من بين الركام ليأخذاه بعيدًا عن هذا الكابوس، في حضنه دمية صغيرة اعتلاها الغبار يتشبث بها ويحتضنها وكأنها آخر ما تبقى له من دفء العالم القديم.
كل شيء من حوله ساكن إلا الريح التي تعبث برماد الذكريات، الغبار يتطاير فوق رأسه، وحفيف الألواح المتكسرة يضيف إلى المشهد رهبة صامتة، وعلى بعد أمتار، كانت هناك علبة الوان لم تعد تصلح للرسم ولكنها شاهدة على أيام مضت وأحلام لن تتحقق حيث كان يرسم وكان يود أن يصبح رساما وكان الضحك يملأ هذا المكان.
أدار وجهه إلى الخلف محاولاً جهده أن يرى أمه او أباه أو أحد اخوته لكن انتظاره طال، أخذ ينظر للافق ثم ارتفع نظره للسماء عله يرى فيها انعكاس صورهم لكنه عبثا حاول.
أخذ دميته وعلبة الألوان لكنه لم يحرك جسده الصغير كان في داخله أمل عنيد، كما لو أن انتظار والديه هنا يمكن أن يعيدهما، كما لو أن بقاءه في نفس المكان سيجعل المعجزة ممكنة.
كان متشبثًا بموقعه وبأحلامه وكأن روحه قد تجذّرت في الأرض، كان المكان بالنسبة له كل ما تبقى من عائلته، ومن أحلامه ولم يكن مستعدًا للتخلي عنه.
ألم عميق، ومشهد يتكرر في مناطق النزاعات والحروب، وفي غزة يحدث كل يوم حيث تختلط مشاعر الخوف، الحزن، والصدمة في عيون طفل لا يزال يجهل معنى الحرب ولكنه يختبر أقسى نتائجها.
الطفل، بملابسه المتسخة ووجهه المليء بالدموع، لا يفهم ما حدث، يجلس وسط الحطام، متشبثًا بأمل عودة والديه، غير مدرك أن الحرب قد أخذت منه أكثر مما يمكن استرجاعه.
هذا المشهد يمثل الضياع، ليس فقط لطفل، بل لجيل كامل يجد نفسه ضحية لصراعات لم يختَرها.
الحطام الذي كان في السابق منزلاً مليئًا بالضحك والحياة، أصبح شاهدًا على الألم والدمار، وترك الطفل في مواجهة قاسية مع واقع لم يستعد له.
هذا الانتظار قد يتحول لاحقًا إلى شعور عميق بالخسارة التي تصعب معالجتها.
فقدان المنزل والأسرة يولد شعورًا دائمًا بالخوف وعدم الأمان، مشاهد الدمار والاختفاء المفاجئ للأحباء تترك أثرًا نفسيًا طويل الأمد، مثل الكوابيس واضطرابات ما بعد الصدمة، ولا شَيء أقسى على النَفسِ من رائحةِ الأحلام المنسوجة وهي تَـتَـبخر.
هذا المشهد يُعتبر تذكيراً بضرورة العمل على إنهاء النزاعات، وحماية الأبرياء الذين يدفعون ثمنًا باهظًا للصراعات، إنه دعوة للتضامن الإنساني والمساهمة في تخفيف معاناة الضحايا.
هل سيقدم الدعم النفسي المساعدة للاطفال للتعبير عن مشاعرهم؟
هل اللعب والرسم سيكونان وسيلتين للتعامل مع الصدمة؟
هل نقل الأطفال إلى أماكن آمنة ومستقرة سيوفر لهم الحماية والحنان؟
هل سيتمكن هذا الطفل من إعادة تكوين الروابط الاجتماعية والعائلية لتقليل الشعور بالعزلة؟
انتظار طويل، نوم قلق، حلم بعالم بلا حروب، وبمنزل ما زالت جدرانه تحميه، وبوالدين يوقظانه بابتسامة لا تعرف الفقد، فالحروب ليست فقط دمارًا ماديًا، بل هي جروح عميقة تصيب النفس البشرية وتستمر آثارها لسنوات طويلة.
فمن سيعوض أطفال غزة؟!