أي إصلاح تربوي هذا؟ أربعة امتحانات عامة «توجيهي» بدلاً من واحد سنوياً!!!

فاجئنا مدير إدارة الامتحانات المحترم في وزارة التربية والتعليم في الصحف اليومية الصادرة يوم الأربعاء الموافق الرابع من نيسان لهذا العام، بأخبار غير سارة عن (نظم) الامتحانات (العامة) الجديدة، التي لو جاء ذكرها في الصحف في أول نيسان لقلنا : إنها مجرد كذبة، لأنه بدلاً من إصلاح أو تطوير أو تطيير امتحان الثانوية العام (التوجيهي) المتردي سنة بعد أخرى،عقدّت الأمور وضاعفت الامتحانات العامة أربع مرات بالتوجه نحو اخضاع الأطفال في الصفوف الأساسية: الرابع، 
والسابع، والعاشر، إلى امتحانات عامة بهدف: « توزيع الطلبة على الفروع الأكاديمية والمهنية وفقاً لمعدل الطالب في المحطات الثلاث التي ستؤهله لاستئناف تعليمه الثانوي او الانخراط في سوق العمل، وبذلك يصبح لدينا أربعة امتحانات عامة (توجيهي) بدلاً من واحد سنوياً، هذا بالإضافة إلى الامتحان الشامل الجامعي المتوسط؛ وامتحان الكفاءة الجامعية الشامل الذي يجب أن يكون بالعينة العشوائية كيلا يدان الخريج الذي حصل على البكالوريوس من جامعة معتمدة اعتماداً عاماً وخاصاً، وبحيث يترك تقييمه فيما بعد للنقابة أو المستخدمين.
يبدو أن ذاكرة بعض المسؤولين قصيرة فهم كما يبدو – نسوا المعركة الحامية التي دارت وانتهت بالغاء امتحان الإعدادية القبيح قبل نحو عقدين، أو أنهم يرون في هذه الظروف العصيبة والصعبة فرصة لاستغفال الناس لانشغالهم بها، للعودة الى سياسة الامتحانات العامة وتوسيعها وبحيث تشمل مرحلة التعليم الأساسي.
أما حجة وزارة التربية والتعليم الجليلة أو المبرر والهدف فتوزيع الأطفال حسب معدلاتهم في الامتحانات العامة الجديدة على فروع التعليم الثانوي، وكأن هذا المعدل يكشف عن الجين الخاص بكل فرع وبكل ذكاء. معنى ذلك أنهم في الوزارة سيدينون التعليم المهني كل فرع بمقدار المعدل الأدنى المقرر له في التوزيع مما سينفر الأطفال وذووهم منه ويبعدهم عنه كما كان يحصل مع التعليم التجاري في الماضي. لو كان الأمر كذلك لكان من الأكثر صدقية اعتماد آلاف الامتحانات التي يقدمها الطفل منذ التحاقه بالمدرسة وحتى تخرجه فيها والتي تبلغ نحو 180- 200 امتحاناً في المواد وفروعها سنوياً وألفي امتحان في حدها الأدنى وأكثر من ثلاثة آلاف في حدها الأعلى منذ التحاقه بالمدرسة وحتى نهاية المرحلة الثانوية، فعدد المباحث وفروعها في جميع الصفوف نحو مائتين، وعدد الامتحانات على مدار السنة لكل منها لا يقل عن ثمانية عشر امتحاناً.
تعجز إدارة الامتحانات المحترمة سنة بعد أخرى عن إدارة امتحان عام واحد لمئة ألف طالب وطالبة هو امتحان الثانوية العامة، المهدد دوماً بسرقة الأسئلة، والغش، والتفتيش، والاقتحام،...لأن عُشر علامة في هذا الامتحان تقرر المصير نتيجة لا دستورية ولا تربوية أسس القبول الجامعية وقلة الفرص الجامعية المتاحة حسب الرغبة، مما يجعل حالة التوتر والقلق والطواريء تسيطر على الأسرة والمجتمع والبلاد طيلة العام، وبخاصة مع اقتراب موعد الامتحان وفي أثنائه وبانتظار نتائجه وتوزيع الناجحين على التخصصات الجامعية، فماذا سيكون عليه وضع الأسرة والمجتمع والبلاد بعد ذلك إذا تم عقد ثلاثة امتحانات مدرسية عامة أخرى لنحو نصف مليون من الأطفال الصغار سنوياً لتقرير مصيرهم مبكراً؟! هل تكفي كوادر الأمن العام والدرك لضمان إجراءات الامتحانات بأمان بعدما رأينا كيف أن كل قاعة امتحان (توجيهي) بحاجة الى مخفر على – جنبها – يحميها؟ إن وظيفة وزارة التربية والتعليم توفير التعليم العام الإلزامي والثانوي (العام) لجميع الأطفال دون تمييز، وبحيث يتلقى الجميع منهم تعليماً متماثلاً ما أمكن تحقيقاً لمبدأ تكافؤ الفرص ولتكوين المواطن الملتزم والمنتج الحر والديموقراطي، وليس توزيعهم على فروع التعليم الثانوي غير الموحد التي لا لزوم لها .
يجب أن تتخلى الوزارة عن التعليم المهني وبحيث يتبع مؤسسة التدريب المهني على أن يتم في مراكز لا في مدارس للراغبين فيه بعد نهاية مرحلة التعليم الأساسي، وعلى أن لا يغلق الباب أمام الملتحقين به إذا رغبوا في استئناف التعليم النظامي او التقدم إلى امتحان الثانوية العامة بعد سنة أو سنتين من ترك المدرسة.
إذا تم الأخذ بالخطط الجديدة فإن الدروس الخصوصية للأطفال في مرحلة التعليم الأساسي ستحل محل الدروس المدرسية كما هو الحال في مرحلة التعليم الثانوي، وسيحصل إبن أو أبنة الغني أو القادر مالياً على المعدل الأعلى المرغوب فيه بفضل الفلوس لا بفضل الامتحان.
إن حكمة المجتمع التاريخية تقول: اقطع عادة ولا تجرعادة أخرى. وللأسف لم تستطع الوزارة إلى اليوم إلغاء عادة الامتحان المشتقة أصلاً من مَحَن بمعنى عذبه واشتد في تعذيبه بل تريد مضاعفتها أربع مرات بدلاً من إحلال التقييم (Evaluation) والتقويم (correction) محلها وبحيث يتم تقييم التعلّم بصورة منهجية ودورية في جميع المواد والصفوف والمدارس لمعرفة عيوب التعلم والتعليم وتقويمهما، وعلى أساس نظرية التفاعل الاجتماعي في التعلّم والتعليم التي ترى أن كل طفل سوي غير ذي عوق عقلي، قادر على تعلّم أي شيء إذا علمه بصورة صحيحة، وإن المعلم والمدرسة والوزارة (والحكومة) هي المسؤولة عن التعلّم وليس المتعلّم والأسرة فقط، وهم الذين يجب أن يحاسبوا على او يساءلوا عن عيوب التعلم عند الأطفال وعن علاجها، وأن الأطفال والأهلين يستطيعون عند اللزوم اللجوء الى القضاء لمحاسبتهم ومساءلتهم على تقصير أطفالهم في التعليم بعدما أودعوهم للمدرسة سنة بعد أخرى دون أن يثبت أن اياً من أطفالهم يعاني من عوق عقلي.
نذكّر إدارة الامتحانات أن مصر تجري مثل هذه الامتحانات لتتخلص بحجتها من أكبر عدد من الأطفال من التعلم، فماذا كانت النتيجة: عاد الأطفال الى الأمية التي بلغت نحو سبعين في المائة، وهي النسبة التي حصل عليها الرجعيون والسلفيون والإسلاميون في الانتخابات البرلمانية في المجلسين؟
يحدث ذلك لمجرد وجود إدارة (للامتحانات) لا وظيفة لها غيرها، فأنت عندما تختلق عضواً إدارياً (Organ) تبحث له أو يبحث هو له عن وظيفة (Function) ليبقى ويكبر ويسيطر. المطلوب إلغاء كلمة أو مصطلح الامتحان لتتغير عقلية ووظيفة الإدارة المسؤولة عنه.
نعم. إن التعليم في الأردن بحاجة الى التطوير وليس إلى مجرد إصلاح لمواكبة التطورات التكنولوجية ذات الأثر الكبير في مختلف نواحي الحياة وتوظيفها في التعليم والتعلم، وإن أمريكا أو بريطانيا ليستا النموذج المطلوب تعلمه منهما في مستوى التعليم العام والمهني، بل أن أمريكا تعترف بفشل محاولات إصلاح هذا التعليم والنقاد هناك الذين لا يضطلع المعنيون بالتعليم في بلادنا على ما يقولون يؤكدون ذلك، لانبهارنا بالتعليم هناك من الخارج.
لقد حولت الرأسمالية الأمريكية المتوحشة أمريكا إلى بزنس امتحاني قاهر للطبقات الاجتماعية الدنيا عائداتة السنوية عشرات المليارات من الدولارات، كما تسعى إلى خصخصة التعليم العام للاستحواذ على مئات المليارات الأخرى من هذا التعليم، وهو ما سيحدث في الأردن إذا أُقرت الامتحانات الجديدة.
إذا أردنا التعلّم في هذا المستوى فلندر وجهنا إلى الدانمارك (مثلاً) (أنظر جريدة الرأي في 21/8/2004) التي يتمنى الأمريكيون الحصول على تعليم مماثل مما لديها، وحيث لا يعرف الأطفال كلمة الامتحان وإن كانوا يتعلمون جيداً ويقيمون ويقومون أولاً بأول وهم لا يشعرون .
إن إنشاء إدارة للتقييم والتقويم وإعادة النظر في الكتب المدرسية لإزالة الطلاسم اللغوية منها إلى جانب الإعداد الجيد للمعلمين والمعلمات، خطوات مهمة لتحسين التعلّم والتعليم. وإذا كانت الوزارة التي نحترم وزيراً وأمناء ومديرين ومدراء وعاملين ومعلمين ومعلمات عاجزة عن معرفة الجوانب الملحة للتطوير فيجب عليها توزيع كتاب: «العرب من وجهة نظر يابانية»، للكاتب الياباني نوتوهارا عليهم لمعرفتها.
وفي الختام : أتوجه بأحر التهاني للمعلمين والمعلمات بنقابتهم التي فشلنا قبل أكثر من خمسين عاماً في إنشائها، ونرجو أن يكون كل تركيزها على تحسين التعلّم والتعليم وأوضاع المعلمين والمعلمات المهنية وليس المادية فقط، وأستغرب الكلام عن هذه التوجهات الامتحانانية المصيرية بعيداً عنها. إنها شريك للوزارة في كل شيء.