الإسلاميون بين المكاسرات السياسية والتفاهمات في البرلمان
أسدلت الستارة على انتخابات المكتب الدائم لمجلس النواب بإقصاء تام لكتلة نواب جبهة العمل الإسلامي، على الرغم من أنهم الكتلة الأكثر عددا، وهذا كان متوقعا، وليس مستغربا، فمن تابع انتخابات رئاسة مجلس النواب كان يُدرك باليقين أن النائب أحمد الصفدي سيفوز باكتساح، وهذا كان واضحا بعد تشكيل ائتلاف أحزاب الوسط تحت القبة.
والسؤال؛ هل كان إبعاد نواب جبهة العمل الإسلامي مخططا له بعد نتائج الانتخابات النيابية، أم كان بسبب تكتيكات خاطئة ارتكبتها قيادة جبهة العمل الإسلامي ونوابهم في التعاطي مع الأحزاب والكتل، والانطباع المبالغ به لقوتهم، حتى باتوا «بعبع»، وانجروا للعبة إقصائهم بأيديهم؟
بعد أن انتهت انتخابات المكتب الدائم، وقبيل انتخابات اللجان البرلمانية، هناك العديد من الأسئلة المعلقة؛ لماذا خاض النائب صالح العرموطي انتخابات الرئاسة، فاستخدم كحطب في معركة غير متكافئة، هل كان الإسلاميون يريدون أن يقولوا للجميع نحن هنا، بغض النظر عن النتيجة، هل كانت رقصة استعراض، هل كانت جس نبض لمعرفة حقيقة التحالفات، وحدود قوتهم، هل كانت للمقايضات، أم كانت لتكريس ديمقراطية الانتخاب بديلا للتزكية، أم مغازلة للشارع، وتعزيز لخطاب المظلومية، وبلغة أخرى يقولون للشارع؛ انظروا حصدنا أكثرية الأصوات على القائمة العامة كممثلين للشعب، وها هم النواب يبعدوننا عن دفة القيادة؟
لا توجد إجابة حاسمة، وقاطعة، وقد يكون الصحيح اتجاهات متعددة من كل هذه التساؤلات، والنتيجة المؤكدة اختبار للإسلاميين في أول أيام البرلمان، ومعرفة أفضل لاتجاهات التحالفات تحت قبة البرلمان.
المفصل الذي سيُحدد مسار التعامل مع كتلة جبهة العمل الإسلامي هي انتخابات اللجان الآن، والمتوقع ألا تعارض الأغلبية البرلمانية المتحالفة معا إعطائهم حضورا في اللجان شريطة ألا يكونوا - نواب جبهة العمل الإسلامي- قادرين على حسم التوجهات والتصويت، وحتى لو سمح لهم برئاسة أي لجنة، فهذا لا يعني أرجحية في صنع التوجه، والقرار.
أتوقع أن رسالة انتخابات المكتب الدائم وصلت للإسلاميين، وليس من الصواب أن يدخلوا في معركة، ومكاسرة مبكرة تنتهي بإقصائهم هذه المرة بشكل متعمد، وممنهج، إن أصروا على المغالبة في بعض اللجان.
كنت أتمنى أن يكون هناك سيناريو متفق عليه بين ائتلاف الغالبية البرلمانية مع كتلة جبهة العمل الإسلامي، بدل هذه الحرب المبكرة التي لا تنفع صورة مجلس النواب، قيل إن نواب جبهة العمل الإسلامي حاولوا التفاهم وفشلوا، وقيل العكس أن الأغلبية النيابية سعت للتفاهم معم لكنهم وضعوا شروطا لم تقبل، و»حطوا أرجلهم بالحيط»، والحقيقة بين هذه المعلومات المتعارضة ليست بين يدي.
من المهم في هذا السياق الإشارة إلى أن رئيس مجلس النواب النائب أحمد الصفدي ليس طارئا على قيادة المشهد النيابي، ففي البرلمان الماضي أثبت حضورا، وقدرة على إدارة عمل البرلمان بتوازن، وعلى تفكيك الأزمات، وتقديم مبادرات حسنت من صورة مجلس النواب، وباعتقادي أن الصفدي مع برلمان حزبي جديد يستطيع من خلال علاقاته مع الجميع، وقنواته المفتوحة مع كل أطراف الدولة أن يدير المشهد دون مطبات قاسية، وبأقل قدر من المواجهات، والمشاحنات.
الأمنيات الشعبية لهذا البرلمان أن يكون قويا قادرا على الرقابة على الأداء الحكومي، مساهما في تحسين معيشة الناس، ومنحازا لهمومهم، وأوجاعهم، وأن يتحرك بفعالية وجرأة لتعزيز تجربة التحديث السياسي، والاقتصادي، والإداري، ولا يتهاون في دعم الحقوق، والحريات العامة.