وزير الداخلية التركي يتعارك بالأيدي مع النواب
لافتةٌ هي الواقعة التي تعرّض لها وزير الداخلية التركي علي يرلي كارلي، والتي وصلت إلى حد تعرّضه وهو المحسوب على الحزب الحاكم للدفع، ومُحاولة منعه من الدخول إلى جلسة مُناقشة ميزانية وزارته الداخلية، وتلك رسالة شديدة اللهجة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وبتوقيع المُعارضة التركية التي تبدو غاضبة، ومُنفعلة من "فرض وصايته عليها”.
النوّاب الغاضبون محسوبون على أكبر أحزاب المعارضة التركية، وهو حزب الشعب الجمهوري المُعارض، وصدر ذلك في ردّة فعل غاضبة على عزل رؤساء بلدية مُعارضين، واستبدالهم بمُوالين للحكومة، بمشهدٍ يُعزّر حضور الرئيس التركي، وحكومته، وحتى البقاء المُطوّل بالسلطة مع الحديث عن تعديلات دستورية تسمح له الترشّح لولايةٍ ثالثة.
وفي مشهدٍ مرصود أمام الكاميرات، جرى تدافع ملحوظ بين النواب والوزير، حيث حرصوا على عدم وصوله إلى البرلمان التركي، في مشهد عدّه حزب العدالة والتنمية الحاكم "هُجومًا هجميًّا” داخل البرلمان، وجاء ذلك على لسان المتحدث باسم الحزب الحاكم عمر تشليك.
وتطوّر الأمر إلى عراك بالأيدي بين ممثلي الحزب المعارض وأنصار حزب "العدالة والتنمية” الحاكم.
وتُطرح تساؤلات حول قانونية خطوة الحكومة التركية "عزل” رؤساء بلدية من مناصبهم "مُنتخبين” من قبل الشعب التركي، وتعيين مُوالين للحكومة تصفهم بالأوصياء، في خطوة تُثير الشّكوك لدى المُعارضة حول مدى التزام الحكومة بنتائج الانتخابات المحلية، التي أطاحت بالحزب الحاكم من السيطرة على بلديات كبرى مثل أنقرة، وإسطنبول.
وكتب رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو القيادي في حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة على منصّة إكس "الحكومة تفقد السيطرة”، وأكد إمام أوغلو الذي يُرجّح أن يكون مُرشّحًا للانتخابات الرئاسية المُقبلة أن "حق الانتخاب حكر على الناخبين، وليس قابلًا للنقل”.
وزارة الداخلية التركية برّرت من جهتها بالقانون، وأوضحت في بيانٍ لها أن قرار عزل عدد من رؤساء البلديات جاء استنادًا إلى أحكام قضائية وتحقيقات جارية تتعلّق بتُهم الانتماء إلى منظمات محظورة والترويج لها.
ومطلع شهر تشرين الثاني /نوفمبر الجاري، أعلنت السلطات التركية عن إقالة ثلاثة رؤساء بلديات منتخبين في جنوب شرق البلاد على خلفية إدانتهم بارتكاب جرائم تتعلّق بـ”الإرهاب والانتماء إلى منظمة إرهابية”، وهي تهمة يُمكن إلقاؤها على مُعارضين آخرين بهدف السيطرة التامّة على الدولة، يقول مُعارضون.
ورؤساء البلديات المُشار إليهم هم رئيس بلدية ماردين الكبرى أحمد تورك، ورئيس بلدية باتمان جولستان سنوك، ورئيس بلدية منطقة هليفتي في شانلي أورفا محمد كارايلان، بالإضافة إلى منطقة أسنيورت في مدينة إسطنبول أحمد أوزر، وبعد صُدور قرار من المحكمة لاعتقال أوزر، قامت وزارة الداخلية بتعيين نائب محافظ إسطنبول جان أقصوي، وصيًّا على بلدية أسنيورت.
ورغم التدافع، نجح الوزير يرلي كايا بالدخول إلى قاعة البرلمان، ويبدو أنه استند إلى حراسته للوصول إلى مقعده.
ونفى نواب حزب الشعب الجمهوري من جهتهم، الادّعاءات المُثارة بشأن منعهم يرلي كايا من دخول قاعة البرلمان، مشيرين إلى أنهم كانوا يرغبون في إبداء رد فعلهم المستنكر لحملة الوصاية على البلديات، وأن التوترات اندلعت بسبب الحرس الشخصي للوزير.
وكان لافتًا انضمام حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب الكردي للمناوشات إلى جانب نواب المُعارضة، قابلها ارتفاع هتافات "من عاشر رفاق السوء أصبح مثلهم” من مقاعد الحزب الحاكم.
وتسبّبت الواقعة، بتأجيل مُناقشة ميزانية وزارة الداخلية، إلى وقتٍ آخر سيحدد لاحقاً، وفق ما أورد موقع T24 الإخباري.
ويعترض نواب الحزب المُعارض تحديدًا على عزل رئيس بلدية إسنيورت المنتخب أحمد أوزر من منصبه، حيث خرج المئات مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري في تظاهراتٍ احتجاجاً على قرار عزله من قبل وزارة الداخلية بذريعة وجود تواصل بينه وبين حزب "العمال الكردستاني” الذي يخوض تمرّدًا مُسلّحًا ضد أنقرة منذ العام 1984.
هذا الاتهام الرسمي بالتواصل مع الأكراد يُثير التساؤلات كونه يأتي بعد إعلان رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، عن مبادرة أثارت تأويلا واسعا باعتبارها "انفتاحا جديدا” في التعامل مع القضية الكردية، حيث دعا بهتشلي، في كلمة له أمام نواب حزبه، إلى إطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان، المسجون في جزيرة إمرالي، ومنحه فرصة لإلقاء خطاب في البرلمان التركي أمام نواب حزب "الديمقراطية والمساواة للشعوب”، يعلن فيه حل المنظمة التي أسّسها قبل 45 عامًا، فكيف يتّهم رئيس بلدية إسنيورت "المُنتخب” بالتواصل مع الأكراد، والحزب الحاكم يُريد إطلاق سراح زعيم الأكراد أوجلان نفسه؟
وقال نواب المعارضة لنواب الحكومة: "أنتم رفضتم بقاءنا في بلدية إسنيورت ونحن لا نقبل وجودكم في البرلمان” خلال المُواجهة.
وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، قد اعتبر أن عزل رئيس البلدية المنتمي لحزبه بمثابة "انقلاب على الديمقراطية”.
وأصدر حزب المساواة الشعبية والديمقراطية بيانًا عبّر فيه عن رفضه لهذه القرارات (عزل رؤساء البلديات)، ووصفها بأنها "إصرار على انقلاب الوصي”، في إشارة إلى تعيين الحكومة أوصياء يتبعون لها في موقع رؤساء البلدية المعزولين، ودليل على "الإرهاق السياسي”، محذرا من أن هذه السياسات "تسمم أي فرصة للتوصل إلى حل” وتُثير الشكوك حول مصداقية الحكومة.
ويبدو أن الرئيس التركي، يُبارك خطوة إلقاء القبض على رؤساء البلدية التي تُغضب المُعارضة، ودفعها لمنع وزير داخليّته لاحقًا من الدخول لقاعة البرلمان في رسالة احتجاج بدت عنيفة، حيث كان علّق أردوغان قائلًا على أزمة العزل وتعيين أوصياء بدلاً منهم إن "من يستغل منصبه سيدفع الثمن بالتأكيد”، فيما لم يُعلّق على خروج الآلاف من الأتراك بعدّة مدن تركية في مسيرات وتظاهرات احتجاجًا على إقالتهم، ورفض المسؤولين الذين تم تعيينهم من قبل الدولة، للقيام بأعمال رؤساء البلديات المُقالين.