هل تنزعج أميركا عندما أُطفئ التلفاز؟
كلُّ الإشارات حولي تدعوني إلى القول إنّنا قد عدنا بالزمن إلى التسعينيات، عُدت لأبيع السجائر بالفرط، ألفُّها وأبيعها. التبغ ولفائف الورق والجهد الذي أبذله مقسوماً على صافي الربح يجعلني قادراً على أن استقبل صديقي بكوب قهوة. هذه المعادلة معادلة تسعينية في الأساس. العراقيون وحدهم يعرفونها، أو لنقُل أهل غزّة، وربّما السوريون أيضاً، وربّما أهل اليمن والسودان ولبنان طبعاً. كلّهم صاروا يعرفون هذه المعادلة، معادلة الكرامة مقابل اللاشيء. إمّا أن تختار كرامتك وإمّا ألّا تختار. دفعتنا أميركا كلّنا نحو نهاية الصندوق الذي وضعتنا فيه، وصارت تصرخ في وجوهنا: "تفرّقوا أنتم إرهابيّون". من يتمسّك بكرامته عند أميركا إرهابي.
ألُفُّ السجائر الآن، وأفكّر في كرامة أميركا نفسها. كيف لمن ليس له مروءة أن يأخذ عن الناس تصوّراتهم في الحياة؟ كيف لأميركا التي لا تملك روحاً أن تفرض على واحدٍ مثلي يستدين من صندوق النقد الدولي أو يخرج من الملّة؟
وأنا ألفُّ السجائر أفكّر في روح أميركا الملتاثة بالتفوّق، أفكّر لو كانت أميركا رجُلاً أو امرأة، لو كانت أميركا طيراً أو سلحفاة، ماذا ستأكل أميركا لتعيش؟ جلودنا المسلوخة بالصواريخ؟
إذن لمن سأبيع هذه السجائر؟ ومن يملك المال هذه الأيام سوى الخونة؟ وهل أموال الخونة حلال؟
عليَّ أن أُطوّع كلمة كرامة بما يليق بهذه الصفقة. سأقول إنّني أبيع سجائري لأيّ مشترٍ، ولن أُدقق في هوية المشتري ومصدر أمواله، سأقول لكرامتي إنّني لست قادراً على تمييز الخونة من غيرهم، لكن هل ستصدّق كرامتي كلّ هذا؟
الخونة واضحون، بضحكتهم الصفراء، بعيونهم الجارحة، يمكنك أن تميّز الخائن من رائحته، ماذا سأقول لكرامتي إذن؟
لو وضعتُ يافطة وكتبتُ عليها: لا نبيع لكم أنتم بالذات، هل سيعرفون أنفسهم؟ هل ستّتهمني قنوات التلفاز الأميركية بالعنصرية؟
في نهاية اليوم عُدت ويدي تعتصر سجائري. لم أبع شيئاً. وفي طريقي إلى البيت، كنت أصرخ: يا أميركا لم أبِع شيئاً اليوم، ولن أبيع غداً. لم أبِع كرامتي.