سيدة اردنية تجمع خيوط شمس الصحراء لتنير لياليها

اخبار البلد_ في خيمة قماشية بعيدة في قلب الصحراء الشرقية الأردنية , بدأت قصة اول سيدة في الشرق الأوسط تهندس الطاقة الشمسية رغم انها امية القراءة والكتابة .


رفيعة عناد (ام قمر) حملت هموم وطنها الفقير بموارد الطاقة الغني في الوقت ذاته بشمسه التي تشرق 300 يوم في العام وفقا لمعلومات رسمية لتجمع اشعتها في صناديق وتنير بها لياليها المظلمة من خلال خلايا شمسية تصنعها بنفسها .

والخلايا الشمسية عبارة عن لاقطات زجاجية تحوّل الاشعة الشمسية الى طاقة كهربائية ونقلها عبر اجهزة خاصة إلى بطاريات تخزّن الطاقة الضوئية التي يتم توصيلها إلى الأجهزة الكهربائية في المساكن لتشغيلها نهاراً وليلاً .

بدأ حلم أم قمر، عندما حملت اليها وزارة البيئة وجمعية التنمية المستدامة العام الماضي تباشير تتعلق بتأهيلها لصناعة الطاقة الشمسية لتحل أزمتها وأزمة قريتها النائية - منشية الغياث - بعد ان أرهقهم ضيق حالهم في الحصول على كهرباء دائمة .

وتبلور حلم المرأة البدوية عندما أخبرها مستشار وزير البيئة المهندس رؤوف الدباس صاحب فكرة المشروع عن مدرسة الحفاة الهندية التي تدرب على صناعة الطاقة الشمسية ليكبر طموحها ويصبح حلما وطنيا في بلد ينتج ثلاثة بالمئة فقط من طاقته الكهربائية.

ووفقاً للدباس فإن تجربة ام قمر ريادية على مستوى الوطن العربي وقليلة على مستوى العالم ، ولها اهميتها في ضوء شح موارد الطاقة وما يستنزفه الأردن من ميزانيته سنوياً بنسبة 22 بالمئة لاستيراد 97 بالمئة من الطاقة الكلية.

ام قمر حملت أحلامها لتفضل مصلحة وطنها على مصلحة عائلتها الصغيرة ، وتترك أطفالها وتلتحق مع رفيقتها صيحة زعل ( ام بدر) بدورة هندية متخصصة بتجميع وتركيب وصيانة الخلايا الشمسية مدتها ستة أشهر .

وتمكنت ام قمر التي لا تكتب ولا تقرأ خلال ايام معدودات من جمع جزيئات مختلفة احجامها بدقة متناهية لتكوّن منها خلايا شمسية أنارت بيتها الصغير لتثبت من خلالها قدرتها على تنفيذ المشروع الذي تسعى الى تعميمه على باقي بيوت القرية.

طريق المنشية ...................

رحلة الوصول من عمان الى خيمة ام قمر كانت صعبة، استغرقت ما يزيد عن اربع ساعات ولعلها كانت رحلة إلى المجهول، حتمتها ظروف موضوعية ذات صلة بمهنة المتاعب للتعرف على تجربة هذه السيدة .

على جانبي الطريق الطويل الممتدة على مسافة تزيد عن ثلاثمئة كيلومترات الواصل الى القرية النائية , ثمة صحار خالية عكست تدرجات سواد صخورها البازلتية أشعة شمس صحراوية رغم انها ربيعية الا ان درجة حرارتها اقتربت من صيف عمان .

وتلك الطريق التي تنتهي بها آخر محطة بترول قبل الوصول الى القرية بأكثر من مئة كيلو متر تخلو من معالم الحياة لا يوجد فيها سوى خيم قماشية لم تزد اعدادها عن أربع وجدت بمسافات متباعدة لحراسة شبكات الهواتف الخلوية بينما ظهرت شواهد بقايا طوبية لمصنعين لتكرير الملح كشفتهما لوحات صدئة تسندها اعمدة مائلة .

الوصول الى القرية بات قريبا بعد قطع ثلاث ساعات صحراوية لتظهر لافتة كتب عليها (الرويشد) لتسترجع فيها حركة أهالي باديتها الشرقية انفاس الحياة وتظهر بعدما يقارب الساعة لوحة كتب عليها اسم القرية الهدف المنشود الذي يستحق السفر الطويل ..

في منشية الغياث اناس أظهرت معالم وجوههم السمراء التي لونتها شمسهم الحارقة ضيق حالهم , اختلفت ظروفهم المعيشية بين الفقراء والأشد فقراً عكستها مساكنهم التي تنوعت بين بيوت طينية وخيم قماشية وغرف اسمنتية لا يزيد عددها عن ثلاث اصطفت بخط مستقيم تتبعها على بعد أمتار قليلة مرافقها الضرورية .

في واحدة من تلك الخيم القماشية بدأت قصة أول سيدة في المنطقة تهندس الطاقة البديلة دون معرفتها لأبجديات القراءة والكتابة عكست ملامحها البدوية ذكاءً وفطنة وتحديا لمجابهة ظروف حياتها .

تلفاز وثلاجة صغيرة ولمبة تضيء المكان ,احلام كبيرة لطالما راودت ام قمر لتحقيقها بينما كان قد تحقق منها قبل تمكنها من تصنيع طاقتها بنفسها حلم لمبة يتيمة اوصلها سلك معدني من احد البيوت القريبة لخيمتها .

رحلة الهند ...............

رحلة أم قمر إلى الهند التي امتدت لستة أشهر كانت شاقة كما تقول ليس بسبب ظروف الحياة في المدرسة الهندية كونها لا تختلف عن حياتها الصحراوية في تلك الخيمة القماشية الصغيرة، بل بعدها عن أطفالها وظروفها الخاصة الاخرى.

تضيف ام قمر "الكثير جاء لتلك المدرسة لتعلم كيفية صناعة الطاقة لكن القليلين الذين يستمرون في ضوء تلك الظروف الصعبة".

كانت تتعلم تركيب وصناعة وتجميع الأجهزة الدقيقة بلغة الاشارة والرسومات للفارق اللغوي بين الجهتين , وبتركيزها وتصميمها تمكنت من التعرف على ادق تفاصيل امتهان صناعة الطاقة والطبخ على طاقة الشمس وتفوقت على جميع المتدربين في مدرسة الحفاة وفقا لمديرها بانكر روي.

يقول الدباس ان الجهات الحكومية لم تقتنع بتمويل مشروع ام قمر وام بدر الذي تبلغ قيمته 115 الف دينار ومن شأنه اضاءة القرية بالكامل وتعميمه على قرى اخرى مظلمة قد تكلف اضاءتها مبالغ طائلة تصل الى الملايين .

ويضيف "ان عوائق تمويل المشروع كثيرة الامر الذي اضطره الى استيراد مكونات الخلايا الشمسية من الهند على مسؤوليته الشخصية لإثبات قدرات ام قمر وام بدر الفريدة في صناعتها , لكن دون ان يجد استجابة من اي جهة مسؤولة".

ورغم انقطاع الأمل عند ام قمر بعد مرور عام على تأهيلها لهندسة الطاقة النظيقة وبعد أن أرهق الدباس صاحب فكرة المشروع البحث عن ممول لمشروعها الا انها تتفاءل بهذه المهنة خاصة عندما تسمع اخبارا تتعلق بشح مصادر الطاقة الكهربائية وزيادة تسعيرة الكهرباء لتعلم انها غنية بما يفتقر اليه الكثيرون.

طريق العودة من خيمة ام قمر الى عمان كانت الأصعب بعد القلق من نفاد وقود السيارة في الشارع الطويل الموحش خاصة في ساعات ما بعد الظهر التي تبدأ فيها خيوط الشمس بالذهاب بعيدا لتأخذ معها نور الصحراء الشرقية الخالية من اضاءة الكهرباء باستثناء مناطق مأهولة بالسكان على مسافات متباعدة لمئات الكيلو مترات .