ملفات ضخمة أمام حكومة الدكتور جعفر حسان.. ماذا سيفعل؟

مهام كبيرة ومعقدة امام رئيس الوزراء د. جعفر حسان والتي تتطلب قرارات حاسمة وسياسات متوازنة لمواجهتها. وتشمل هذه المهام ملفات سياسية واقتصادية وأمنية تتزايد تعقيداتها بفعل تطورات إقليمية ودولية.

مشهد رئيس الوزراء د. جعفر حسان القادم من مكتب الملك وهو يحمل ورقة لتسجيل طلبات المواطنين خلال زياراته الميدانية لبعض المشاريع في محافظات المملكة، خطوة لافتة تعكس رغبة الحكومة في تغيير النمط التقليدي المتبع في التعامل مع القضايا الوطنية. ورغم أن هذه المهام يمكن أن يقوم بها موظفون من الدرجة الثانية، فإنها تعكس توجهاً حكومياً يسعى للظهور بمظهر مختلف، يتسم بالاقتراب من المواطن والاستماع المباشر لمشاكله.

كما تأتي بعد رحيل حكومة د. بشر الخصاونة، التي شكا العديد من الأردنيين من ابتعادها عن القضايا اليومية للمواطنين، مما جعلها جاهلة بهمومهم. ويمثل هذا التوجه الجديد محاولة من حكومة حسان لتكريس صورة مغايرة لرؤساء الوزراء، تركز على الشفافية والمشاركة المباشرة مع الشعب، وهو ما يهدف إلى تحسين العلاقة بين المواطن والحكومة ويعزز من ثقة الجمهور بالإجراءات الحكومية.

يواجه رئيس الوزراء الجديد حسان التحدي الفوري المتمثل في تخفيف الأثر الاقتصادي لحرب غزة على الأردن، الذي عانى من انخفاض الاستثمار والانحدار الحاد في السياحة. وفي التكليف السامي، أكد جلالة الملك عبد الله الثاني على الحاجة إلى تعزيز الديمقراطية ودفع مشاريع البنية الأساسية المدعومة من المانحين في مجال الطاقة والمياه لتأمين مستقبل البلاد الاقتصادي.

وشدد الملك على أهمية تركيز الحكومة على تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى المدعومة من المانحين، خاصة في قطاعات حيوية كقطاعي الطاقة والمياه، التي تشكل أساسًا لتحسين الظروف الاقتصادية في البلاد. وتهدف هذه المشاريع إلى تعزيز كفاءة الخدمات الأساسية وتقليل الاعتماد على الطاقة المستوردة، مما يساهم في تحسين الاستقرار الاقتصادي والمالي للأردن، ويعزز من قدرته على مواجهة التحديات التنموية.

اعلان وزارة الطاقة المفاجئ عن اكتشاف كميات تجارية من الغاز الطبيعي في حقل الريشة، حيث قدرت الكميات بنحو 9.4 تريليون قدم مكعب. هذا الإعلان يأتي في سياق محاولات الحكومة لتحقيق اختراقات اقتصادية سريعة، تنفيذاً للتوجهات الملكية الرامية إلى تعزيز استقلالية المملكة في مجال الطاقة.

ورغم هذه الخطوة الإيجابية، لا تزال التساؤلات الشعبية قائمة حول توفر الثروات الطبيعية في الأردن وأثرها الفعلي على الاقتصاد المحلي. وعلى ما يبدو أن الإعلان عن اكتشاف الغاز يأتي كجزء من استراتيجية الحكومة لـ"تلبية" تطلعات المواطنين في تحسين واقعهم الاقتصادي، والبحث عن حلول محلية للأزمة الاقتصادية التي يعانون منها.

يؤكد سياسيون أن المهمة الرئيسية لرئيس الوزراء د. جعفر حسان تتمثل في تسريع الإصلاحات التي يوجهها صندوق النقد الدولي، وهي إصلاحات تهدف إلى تعزيز الاستقرار المالي وتحفيز الاقتصاد الأردني المتعثر. ومع دين عام يتجاوز 50 مليار دولار وارتفاع معدلات البطالة، تبدو المهمة معقدة، خاصة في ظل اعتماد الأردن على مليارات الدولارات من المساعدات الخارجية لدعم استقراره الاقتصادي.

ويرى المراقبون أن تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية سيتطلب من الحكومة اتخاذ خطوات فعّالة لكبح الدين العام وتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي تدريجيًا. وفي ظل هذه الضغوط، يُنتظر من الحكومة طرح برامج تنموية توفر فرص عمل للشباب، إضافة إلى توجيه سياسات اقتصادية تهدف إلى تعزيز بيئة الاستثمار، بما يخدم تحقيق النمو الاقتصادي المنشود.

وبموازاة الإصلاح الاقتصادي اكد جلالة الملك عبد الله الثاني خلال كتاب التكليف السامي على ضرورة أن تعمل حكومة د. جعفر حسان على تعزيز الديمقراطية في الأردن، موضحًا أن المرحلة القادمة تتطلب توسيع المشاركة الشعبية وضمان التعددية السياسية ضمن إطار إصلاحي متكامل.

في هذا الإطار، تقول منظمة العفو الدولية في أحدث تقاريرها ان الاردن تستخدم قانون الجرائم الإلكترونية كسلاح لاستهداف الصحفيين والنشطاء وغيرهم والتضييق عليهم بسبب ما يعبرون عنه من آراء على الإنترنت ينتقدون فيها سياسات الحكومة وممارساتها.

وتضيف ان القانون الصادر في 13 أغسطس/آب 2023، يتضمن تعديلات كبيرة على القانون القائم آنذاك، وهو قانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، توسّع نطاق الجرائم والصلاحيات التي تسمح للمدعي العام بتحريك الدعاوى القضائية ضد الأفراد بدون شكوى شخصية عندما يكون الجرم المنسوب إليهم يتعلق بشخصيات أو هيئات حكومية. ويستحدث القانون عقوبات غليظة على جرائم مبهمة وفضفاضة الصياغة إلى حد بعيد، من قبيل "نشر أخبار كاذبة”، و”إثارة الفتنة”، و”استهداف السلم المجتمعي”، و”ازدراء الأديان”، وهي جرائم استُخدمت في تجريم أشكال من التعبير يكفلها ويحميها القانون الدولي. وطالب المنظمة بإلغاء القانون أو إجراء تعديلات جوهرية عليه حتى ينسجم مع القانون الدولي والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

في إطار الإصلاحات السياسية شهدت الانتخابات الأخيرة تحقيق جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها، الذين يتحالفون أيديولوجياً مع حماس، مكاسب كبيرة، حيث فازوا بواحد وثلاثين مقعداً في البرلمان. وقد أثار هذا التطور مخاوف بين الدبلوماسيين والمسؤولين من أن المعارضة الأكثر صخباً قد تتحدى إصلاحات السوق الحرة والسياسة الخارجية في الأردن. وعلى الرغم من هذا، فإن البرلمان الذي يتألف من 138 عضواً يحتفظ بأغلبية مؤيدة للحكومة، مع بقاء السلطة النهائية في يد جلالة الملك، الذي يمكنه تعيين الحكومات وحل البرلمان.

بموازاة ذلك يتوقع أن يواجه رئيس الوزراء حسان، تحديات كبيرة في التعامل مع المؤسسة المحافظة التقليدية في الأردن، التي لطالما اعتُبرت إحدى العوائق أمام جهود التحديث التي يسعى الملك عبد الله الثاني إلى تحقيقها. ورغم دعم الملك للمشاريع الإصلاحية والتحديثية، يرى مراقبون أن المؤسسة المحافظة، بنفوذها الراسخ، قد تتسبب في بطء أو عرقلة بعض الإصلاحات المنشودة.

في السياسة الخارجية يفرض انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الأردن تحديات استثنائية خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة. فقد واجه الأردن، الذي يعتمد على علاقات قوية مع الولايات المتحدة في مختلف المجالات، ضغوطًا جديدة في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، مثل النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي والتوترات الإقليمية.

وتتطلب السياسة الأردنية في هذا السياق توجيه استراتيجيات دقيقة ومرنة، تأخذ في الاعتبار التوجهات الأميركية الجديدة، وتوازن بين تعزيز العلاقة مع واشنطن والتمسك بمواقفها الثابتة تجاه قضايا المنطقة، بما في ذلك دعم حقوق الشعب الفلسطيني واستقرار المنطقة.

يبدو أن رئيس الوزراء الجديد، خريج جامعة هارفارد، والمتمتع بعلاقات قوية مع المؤسسة الأميركية، اكتسبها خلال عمله في السفارة الأردنية في واشنطن، مؤهل بشكل كبير للتعامل مع الإدارة الأميركية الجديدة. فهذه العلاقات الوثيقة قد تكون أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تكليفه بتشكيل الحكومة، ومن المتوقع ان تساهم هذه الروابط في تعزيز قدرة رئيس الوزراء على التنسيق مع المسؤولين الأميركيين، مما يعزز فرص الأردن في تحقيق مصالحه في وقت تتغير فيه السياسات الأميركية تجاه قضايا الشرق الأوسط.