الفرصة الأخيرة لإنقاذ سمعة الرئيس بايدن والولايات المتحدة
اختار الناخب الأميركي دونالد ترمب رئيساً للجمهورية، فانبرى المحللون للتنبؤ بما سوف تكون عليه سياساته في الشرق الأوسط، وهذا أمر منطقي ومهم للفترة المقبلة، لكن ترمب لن يتسلم سُدّة الرئاسة إلا في 20 يناير (كانون الثاني) 2025، أي بعد أكثر من شهرين، ولن يتمكن من اتخاذ قرارات مهمة بشأن المنطقة إلا بعد ذلك بأسابيع أو أشهر، بعد أن يكتمل تشكيل فريقه الأمني والدبلوماسي ويحصل على موافقة مجلس الشيوخ كالمعتاد.
الأزمة في غزة تحتاج إلى عناية مستعجلة، في ظل اقتراب المجاعة. والمسؤول عنها قانونياً وسياسياً حتى 20 يناير هو الرئيس بايدن، الذي يتمتع بكامل صلاحياته الدستورية إلى حين تنصيب ترمب. ولهذا فمن الضروري الاستمرار في التعاطي مع الإدارة الحالية خلال الشهرين المقبلين لحثها على اتخاذ القرارات اللازمة لحل قضايا المنطقة، غزة والقضية الفلسطينية ولبنان وغيرها.
من حُسن الحظ أن هناك توافقاً دولياً على ما ينبغي القيام به وهو ما أظهره الاجتماع الأول للتحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين، الذي عُقد في الرياض في 30-31 أكتوبر (تشرين الأول)، وشاركت فيه نحو 90 دولة أكدت، بما في ذلك حلفاء إسرائيل القريبون مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، على ضرورة وقف الحرب في غزة ولبنان والمُضيّ قُدُماً في حل القضية الفلسطينية وفقاً للقرارات الدولية ومبادرة السلام العربية. وموقف الولايات المتحدة من مبادرة السلام العربية كمرجعية أساسية لحل القضية الفلسطينية يلفت الاهتمام، ففي بيان مشترك أصدره وزراء خارجية دول مجلس التعاون ونظيرهم الأميركي في نيويورك في 25 سبتمبر (أيلول) أبدت الولايات المتحدة دعمها للمبادرة.
ودور الولايات المتحدة أساسي في أي تحرك لوقف الحرب أو لحل القضية الفلسطينية، لأنها الوحيدة التي تملك القدرة على التأثير على إسرائيل. فالقوى الأخرى، مثل روسيا والصين وبريطانيا والاتحاد الأوروبي لا تضاهي أميركا في ذلك، لأسباب واضحة فيما يتعلق بموسكو وبكين، أما بريطانيا فإنها لم تعد تستطيع التحرك في الشرق الأوسط إلا من خلال واشنطن.
الاتحاد الأوروبي يمكنه من الناحية النظرية التأثير على إسرائيل من خلال العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية الوثيقة بينهما، فضلاً عن العلاقات العسكرية والأمنية بين إسرائيل وبعض دوله، فإن قيادة الاتحاد الأوروبي تمرّ بمرحلة انتقالية حالياً وربما لن تتضح معالم سياستها الخارجية حتى بدايات العام المقبل. وحتى في أحسن حالات الاتحاد الأوروبي، فإن تباين وجهات النظر بين دوله ومؤسساته بشأن قضية فلسطين، والاضطهاد التاريخي لليهود في أوروبا والتعويض المبالغ فيه عن هذا الاضطهاد على حساب الفلسطينيين، وقدرة إسرائيل على توظيف هذه المشاعر لدى الحاجة، كل هذا حدَّ من قدرة أوروبا على التحرك في الشرق الأوسط إلا في حدود ضيقة، أو ضمن التنسيق مع واشنطن.
ومع هذه التعقيدات في الموقف الأوروبي التي تحد من قدرته على التحرك على الأرض، فإن قمة الشهر الماضي بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي أظهرت توافقاً كبيراً يمكن البناء عليه. فبالنسبة لغزة تدعم أوروبا تنفيذ قرار مجلس الأمن 2735 وترفض انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني، وتدعم وكالة غوث اللاجئين بقوة سياسياً ومالياً.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، يدعم الاتحاد الأوروبي مبادرة السلام العربية وحل الدولتين على حدود 1967، ويدين تجاوزات المستوطنين بل يفرض بعض العقوبات عليهم، ويرفض الإجراءات التي تتخذها إسرائيل لتغيير الوضع التاريخي لمدينة القدس. واشترك الاتحاد الأوروبي مع المملكة العربية السعودية والنرويج في الإعلان عن «التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين» في نيويورك في سبتمبر من هذا العام، كما اشترك مع المملكة العربية السعودية في مبادرتها في سبتمبر 2023 لإحياء جهود السلام.
وقد أسهمت هاتان المبادرتان السعوديتان في بلورة موقف عالمي من قضية السلام في الشرق الأوسط، تجلّى بوضوح في الاجتماع الأول للتحالف الدولي في الرياض، والخطوة التالية هي ترجمة هذا التوافق الدولي إلى خطوات عملية وبرنامج زمني محدد. وفي هذا التحول من التوافق النظري إلى العمل الفعلي سيكون دور الولايات المتحدة حاسماً.
وقد يقول البعض إن الرئيس بايدن بعد الانتخابات أصبح «بطة عرجاء» سياسياً، ولكن ذلك يعني فقط أنه أصبح محدود القدرة في التأثير على أعضاء الكونغرس في الأمور التي تتجاوز صلاحياته الرئاسية، أما سلطاته التنفيذية فستظل غير منقوصة، خاصة في مجال السياسة الخارجية التي تُعتبر في الولايات المتحدة اختصاصاً أصيلاً للرئيس.
وخلال فترة الشهرين ونصف الشهر التي تفصل الانتخابات عن تاريخ مغادرته البيت الأبيض، يكون الرئيس في مأمن من متطلبات الانتخابات وضغوطات الجماعات الموالية لإسرائيل، ويمكنه اتخاذ قرارات تخدم المصالح الأميركية وتنقذ سمعته التاريخية، التي تضررت بسبب ممالأته لإسرائيل.
وقد استطاع رؤساء سابقون اتخاذ قرارات مهمة تتعلق بالشرق الأوسط خلال الشهور الأخيرة من رئاستهم، ومن ذلك على سبيل المثال جورج بوش الأب الذي ضغط على إسرائيل للتراجع عن قرارها بإبعاد 400 قيادي وناشط فلسطيني في ديسمبر (كانون الأول) 1992، قبل شهر من مغادرته البيت الأبيض. وكذلك توسط الرئيس كلينتون بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبيل مغادرته البيت الأبيض عام 2000، وكاد ينجح في التوصل إلى اتفاق. وفي آخر أيام أوباما في البيت الأبيض وافق على تمرير قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي أكد عدم شرعية جميع المستوطنات التي أنشأتها إسرائيل في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، ووصفها بأنها مخالفة صارخة للقانون الدولي. ومما سوف يساعد الرئيس بايدن على التحرك أن تقدم إليه خطة متكاملة مدعومة من قبل حلفاء أميركا الأوروبيين وشركائها العرب، يمكنه على أساسها الضغط على إسرائيل. ومن المهم في الوقت ذاته أن يتم التنسيق مع فريق ترمب حتى لا يعرقل محاولات بايدن إحراز تقدم في حل هذا الصراع. وحرص المملكة العربية السعودية على نجاح هذه الجهود من خلال قيادتها للتحالف الدولي يزيد من فرص النجاح، خاصة أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع إدارتي ترمب وبايدن.