ملامح الاقتصاد العالمي بعد فوز ترامب

رغم أن معظم التحليلات تُشير إلى ثلاثة ملفات رئيسة ساهمت بفوز دونالد ترامب الكاسح في الانتخابات الأمريكية مؤخّرًا، وخصوصًا في الولايات المتأرجحة، وفي مقدمة تلك الملفات:

1 - الوضع الاقتصادي وانعكاساته على المواطن الأمريكي.

2 - الهجرة غير الشرعية، وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية على الداخل الأمريكي.

3 - الحروب الخارجية وتحديدًا الحرب الروسية الأوكرانية والحرب على غزة، والتي تجاوزت فاتورتها نحو 170 مليار دولار -على حساب دافعي الضرائب الأمريكيين-.

رغم هذه الملفات الثلاث الرئيسة وغيرها، إلّا أن العامل المشترك فيها والأهم هو الملف الاقتصادي، وهذا ما يشغل بال المواطن الأمريكي ويؤثّرُ على معيشته، والذي مرّ ولا يزال يمرّ بظروف اقتصادية صعبة، وقد عانى خلال السنوات الأخيرة من ارتفاع نسبة التضخم، التي ساهمت الحروب الخارجية التي تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية في ارتفاعها -كما يرى المواطن الأمريكي-.

البرنامج الاقتصادي للرئيس المنتخب دونالد ترامب واضح وصريح داخليًا وخارجيًا ويمكن تلخيصه بالنقاط التالية:

أولًا - داخليًا:

ترامب ينطلق من رؤية لتحفيز الاقتصاد تُترجم شعاره «أمريكا أولًا»، وتقوم على أسس خفض الضرائب وتشجيع الصناعات الوطنية، ويركّزُ على:

1 - المضي قدمًا بسياسات «أمريكا أولًا» التي تُعزّز وتدعم الصناعات المحلية، وخفض تكاليف الإنتاج.

2 - هذه السياسات تشمل إلغاء الضرائب على دخل الضمان الاجتماعي.

3 - الإعفاء من الضرائب على العمل الإضافي.

4 - خفض الضرائب ليشمل أصحاب الدخل المرتفع والشركات الكبرى.

5 - يعتزم ترامب تمديد التخفيضات الضريبية التي أُقرَّت خلال ولايته والتي تنتهي مدتها قريبًا، وخفض الضرائب على عائدات الشركات بشكل إضافي.

6 - ترامب تعهّدَ بالقضاء على التضخم، واعدًا بصورة خاصة بخفض فواتير الطاقة إلى النصف منذ عامه الأول في البيت الأبيض.

7 - تقليل التكاليف المرتبطة بقطاع المواد الغذائية.

ثانيًا - خارجيًا:

1 - فرض تعريفات جمركية على الواردات الأجنبية، بهدف تعزيز الصناعات الأمريكية والحد من الاعتماد على التجارة العالمية.

2 - يعتزم ترامب زيادة الرسوم الجمركية على مجمل الواردات بنسبة 10 إلى 20 % حسب المنتجات، وصولًا إلى 60 % للواردات الصينية وحتى 200 % للسيارات المصنوعة في المكسيك.

رغم أن رؤية ترامب الاقتصادية وسياساته قد تزيد الدَّين الوطني بشكل كبير -بحسب خبراء-، إضافةً إلى توقعات بارتفاع الدولار وزيادة التضخم، وغيرها من التوقعات المتضاربة، لكن باختصار نجح ترامب بإقناع «الناخب الأمريكي» بأنه سيخفّضُ التضخم ويدعم الصناعة المحلية -وهذا سيخلق مزيدًا من الوظائف- وأنه سيعوّض كل ذلك من خلال الاعتماد على الرسوم الجمركية كوسيلة لزيادة إيرادات الدولة.

البرنامج الاقتصادي للرئيس المنتخب دونالد ترامب له تأثيرات إيجابية داخلية على الاقتصاد الأمريكي -كما يرى المواطن الأمريكي- ولذلك صوّت لترامب، إضافة لعوامل أخرى، لكن هذا البرنامج له تداعيات سلبية كبيرة على التجارة العالمية وتحديدًا على دول الاتحاد الأوروبي وعلى الصين بشكل كبير.

لذلك فإن تخوفات عالمية ترى بأن سياسات ترامب سوف تُحدث «هزّة» في الاقتصاد العالمي، ولن تستثني أحدًا -حتى شركاء الولايات المتحدة- ولو بصورة متفاوتة:

الدول المجاورة للولايات المتحدة ستكون الأكثر معاناة، (من المتوقع أن تخسر المكسيك وكندا ما يصل إلى 2 % من حجم الناتج المحلي الإجمالي على مدى أربع سنوات).

الصين ستكون الأكثر تضررًا في حال زاد ترامب الرسوم إلى 60 % على المنتجات الصينية وقد يؤدي لتدمير التجارة بين البلدين.

أوروبا ستجد نفسها مضطرة لتعزيز استقلاليتها الاقتصادية، خصوصًا إذا رفع ترامب يد أمريكا عن الدعم لحلف الأطلسي، وفاتورة دعم أوكرانيا التي أوصلت الدَّين الحكومي في أوروبا لنحو 90 % من الناتج المحلي الإجمالي. ويبدو أن التغيير العالمي لمرحلة (ترامب الثانية) قد بدأ من ألمانيا، الدولة الأكبر اقتصاديًا في القارة الأوروبية، حيث أقال المستشار الألماني منذ يومين وزير المالية، مما أدخل ألمانيا في أزمة سياسية كبيرة، ولتجد نفسها أمام انتخابات مبكرة محتملة في مطلع العام المقبل.

*باختصار:

1 - العالم يترقب بقلق سياسات ترامب الاقتصادية، وتدرك الدول أنه إذا نفّذ وعوده -وهو قادر على ذلك دون عوائق خصوصًا بعد سيطرة الجمهوريين على مجلس الشيوخ وربما البرلمان- فإن سياساته ستنعكس على التجارة العالمية وسلاسل التوريد وأسواق النفط والذهب والدولار والعملات المشفرة.. وربما «المساعدات الخارجية».. وغيرها.

2 - العالم يترقب وعود ترامب بوقف الحروب -رغم عدم حديثه عن الكيفية والآليات-.. ولكن استنادًا إلى عقليته الاقتصادية.. فإن كل شيء ممكن ما دام يقابله ثمن، والتعامل مع الملفات السياسية العالقة بحلول و«صفقات اقتصادية» ممكنة.

3 - الأردن يرتبط مع الولايات المتحدة بشراكة استراتيجية، وعلاقات جيدة مع الديمقراطيين والجمهوريين، والمساعدات الأمريكية ممتدة حتى العام 2029، وميزان التبادل التجاري مع أمريكا يميل لصالح الأردن.. لكن الأردن قد يتأثر -كما دول العالم- بأية هزات اقتصادية عابرة للقارات، والأهم انعكاسات توترات الإقليم، وفي مقدمتها الحرب على غزة ولبنان، وما إذا أوفى الرئيس ترامب بوعده وأوقف الحروب على أسس عادلة لا تذّكرنا بمرحلة رئاسته السابقة.. لننتظر.