ترامب يتجنب شكر اليهود أو ذكرهم في “خطاب الفوز” وسط تكهنات بأن فريقه "يمقتون إسرائيل"
لا يُعرف تمامًا، ما إذا كان الرئيس الأمريكي الفائز بانتخابات الرئاسة الأمريكية الجمهوري دونالد ترامب، سيتخلّى عن قائمة خدماته لدولة الاحتلال الإسرائيلي التي قدّمها في ولايته الأولى السابقة، ويُواصل ذلك، وعلى رأسها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب خدماته في فرض التطبيع على دول خليجية وعربية معها، ودعمه العلني للاستيطان.
العُنوان الأهم بالنسبة لإسرائيل في ولاية ترامب الجديدة، هو دعمه لحربها على قطاع غزة المُتواصلة مُنذ عام، وكذلك حربها على جنوب لبنان، لكنّ الرجل كرّر بأنه سيُوقف الحروب في منطقة الشرق الأوسط، فيما يعود معه شعار أمريكا أوّلاً، مُقدّمًا وعودًا لافتة بما يخص تخفيض الضرائب، وإنعاش الاقتصاد.
علامات الاستفهام حول ولاية ترامب الثانية، ليست نابعة من تصوّرات وتحليلات عربية، بل تصل لحُدود مخاوف يطرحها المختصون والمراقبون في الدولة العبرية، حيث يقول يوسي ميكلبرغ، المتخصص في الجغرافيا السياسية الإسرائيلية، مُستذكرًا المواجهات القليلة التي حصلت بين ترامب ونتنياهو: "من الأفضل أحيانا التعامل مع أشخاص يُمكن التنبّؤ بأفعالهم حتى لو كنت لا تحبّهم حقا، بدلًا من التعامل مع أشخاص لا يُمكن التنبّؤ بتصرّفاتهم”.
لا ينسى كثيرون موقف ترامب من نتنياهو، حينما اعتبر تهنئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في العام 2020 للرئيس جو بايدن حين فوزه بولايته اليتيمة خيانة، فترامب حتى الآن لم يعترف بفوز الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات السّابقة.
سارع نتنياهو من جهته وحكومته لا سيما اليمينيين المتطرفين منهم، إلى تهنئة ترامب بعد ظُهور نتائج أولية تُظهر فوزه في سباق الانتخابات الرئاسية، مبدين فرحا استثنائيا بعودة الرئيس السابق الجمهوري إلى البيت الأبيض، ولكن هذا الفرح قد لا يدوم بالنسبة لتقديرات بعض الإسرائيليين.
لم يشكر ترامب في خطاب الفوز "اليهود”، وكان لافتًا توجيهه الشّكر لأقليّات كثيرة دعمته للفوز بالرئاسة دون أن يذكر اليهود، وكان سبق لترامب أن وجّه اتّهامًا صريحًا بأن 60 بالمئة منهم صوّتوا "للعدو” لصالح كامالا هاريس، كما كان حذّرهم من عدم فوزه، معلنا أنه إذا لم يفز، فسيكون لليهود الكثير ليفعلوه حيال ذلك.
الإعلام العبري نظر بشكلٍ سلبيٍّ لمُغازلة ترامب لأصوات المسلمين، وكيف وعدهم بإنهاء الحرب في غزة، ولبنان، وإنهاء الإسلاموفوبيا، الكاتب في القناة 12 عوفر حدادر تناول ذلك، حين أشار بأن ترامب محاط بغير اليهود، من لبنانيين، ومسلمين، يملكون أموالًا طائلة، قدّموا ترامب على طبقٍ من ذهب، وهؤلاء بحسب عوفر ليسوا مجرّد عدد أكبر من الناخبين الذين زادوا الإنجاز، بل يعدّ بمثابة دفعة كبيرة لرحلة "الأنا” التي يمر بها ترامب، ممّا يضعهم في موقفٍ قريب جدًّا من أذنه”، ويُضيف الكاتب الإسرائيلي عبارة قد تشرح المخاوف الإسرائيلية من ترامب قائلًا: "ترامب رجل ذو شخصية معقدة، ولا أحد في إسرائيل يعرف كيف ستكون ولايته المُقبلة”، ويُتابع: "الديمقراطيون أحبّوا أن يضربوا، ولكن ليس أن يكسروا الأدوات، أما ترامب فليس لديه أدوات ولا قواعد، ونتنياهو يعرف ذلك جيدا أيضًا”.
الكاتب الأميركي اليهودي المتدين نيل أورويتز، كان قال إن كل الأسباب تدعو اليهود إلى الخوف من انتخاب ترامب ووصوله إلى الرئاسة الأميركية، وأكّد أن ترامب يُحيط نفسه بكثير من الأشخاص الذين لا يعتقدون أن هذه الأحداث الدموية وقعت بالفعل ضد اليهود، وفي أسوأ الحالات أن اليهود يستحقون ما وقع لهم، ففريق ترامب مليء بالمعادين للسامية. فهناك كاني ويست، الذي اشتهر بتمجيد هتلر حرفيا وعلنا. ونيك فوينتس، الذي ينكر أن النازيين قتلوا ستة ملايين يهودي أثناء الهولوكوست. وهناك جماعة "براود بويز” أي (الأولاد الفخورون) المعادون للسامية بشكل صريح، والذين قال لهم ترامب -ابتعدوا واستعدّوا-".
في مُقابل هذا، قد يكون من المُفرط التفاؤل بأن يذهب ترامب إلى التحوّل لمُعطّل للمصالح الإسرائيلية تمامًا، وسط هذه المخاوف الإسرائيلية المطروحة، فوكالة بلومبرج الأمريكية، تقول إن إسرائيل ترى فوز دونالد ترامب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، بمثابة إطلاق ليديها للمضى قدما فى حربيها على لبنان و غزة، وربما تأمل حتى توجيه الضربات التى تهدف إلى تعطيل برنامج إيران النووي.
أمّا صحيفة "واشنطن بوست”، فترى إن فوز ترامب قد يزيد إسرائيل جُرأة فى توسيع حرب الشرق الأوسط، وذكرت أن ترامب دعا بشكل عام إلى إنهاء حرب إسرائيل على غزة، لكن لم يكن واضحا بشأن الكيفية التى يرى بها تطبيق وقف إطلاق النار، وفي المُحاثات المُغلقة، قدّم ترامب الدعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويجب التذكير والإشارة أيضًا، بأنّ ترامب يرى نفسه بأنه الرئيس الأكثر تأييدًا لإسرائيل في التاريخ الحديث، وحتى يتباهى بعلاقته الوثيقة والشخصية مع نتنياهو، بالرغم أن العلاقات بينهما لم تكن ودّية دائمًا، بل ويرى إسرائيل صغيرة، وتحتاج للتوسّع.
وعلى عكس دول الخليج التي رحّبت بعودة ترامب، حيث هنّأ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، في بيان، ترامب على انتخابه كما اتّصل بن سلمان بترامب لتهنئته، وقالت الإمارات إنها والولايات المتحدة "متحدتان في شراكتنا الدائمة القائمة على الطموحات المشتركة للتقدم”، تنظر إيران لفوز ترامب بأنه لا يحمل فرقًا كبيرًا، وقالت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني إن "السياسات العامة للولايات المتحدة وإيران لم تتغير” بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وبعد مُغادرة ترامب منصبه في عام 2020، كثّفت إيران تخصيب اليورانيوم، وزادت صادراتها النفطية، وكثّفت دعمها لحركات المُقاومة، بل وأرست سابقة بضرب إسرائيل في هجوم مباشر مرتين، وكل هذه تحدّيات أمام ترامب للتعامل مع طهران، والذي كان يعتقد أنه بانسحابه من الاتفاق النووي معها العام 2015، وفرض العقوبات عليها، وصولًا لأمره اغتيال الجنرال قاسم سليماني، سيحد من نفوذها، الأمر الذي حصل عكسه، ويدفع بتساؤل حول ما إذا كان ترامب سيذهب نحو إطلاق يد إسرائيل لضرب مُنشآت إيران النووية، وهو أمر كبحته إدارة بايدن، وتُحذّر منه بعد رحيلها.
بكُل حال، ستكون سياسات ترامب بولايته الثانية محل انتظار وترقّب، لكن عُنوانها العريض كما يقول الجمهوري الأشقر يبدو هو إنهاء الحروب، فترامب قال في نهاية خطاب الفوز بأنه لن يبدأ الحروب، سأوقف الحروب”، لكنه لم يشرح كيفية تطبيق ذلك، فولايته الثانية مليئة بالحروب القائمة، على عكس الأولى، فهل يصدق الذي كذب حوالي الـ10 آلاف كذبة (وثّقها تقرير لصحيفة الواشنطن بوست) خلال تواجده في البيت الأبيض من ولايته الأولى؟