أين ترقد الجامعة العربية؟

بعد أن طوت الحرب الإسرائيلية سنتها الأولى في إبادة الشعب الفلسطيني في القطاع، ومع دخولها السنة الثانية فتحت إسرائيل حربها على لبنان؛ نجد أنفسنا أمام سؤال مفاده، أين جامعة الدول العربية مما يحصل على الساحة الفلسطينية والعربية، وما هو مبرر وجودها، ولماذا تصمت؟، كل ذلك يقودنا إلى مناقشة عنوان هذه المقالة التي تنطلق من فرضية مفادها أن المؤسسة التي لا تعمل على تحقيق أهدافها ومبرر وجودها وجب إغلاقها؛ فهذا على مستوى المؤسسة الصغيرة، فماذا لو كان هذا يتعلق بجامعة الدول العربية؟!


في البداية، لا بد من تناول نبذة مختصرة عن الجامعة، التي تعتبر رابطة تطوعية للدول التي تتحدث شعوبها اللغة العربية، وتضم الجامعة أكثر من20 دولة، وتتمثل أهدافها المعلنة في تعزيز العلاقات بين الدول الأعضاء وتنسيق سياساتها لتحقيق المصالحة العامة، ولا مناص من القول إن أول من تحدث حول ضرورة وجود كيان سياسي يجمع الدول العربية وزير الخارجية البريطاني أنتوني إيدن سنة 1941. 


وفي 17 آذار/ مارس 1945 تم التوصل إلى الصيغة النهائية لميثاق جامعة الدول العربية باجتماع وفود الدول المؤسسة في القاهرة، ليظهر الميثاق إلى الوجود في 19 آذار/ مارس 1945، مكوناً من مقدمة وعشرين مادة وثلاثة ملاحق. ووقع عليه مندوبو الدول العربية في احتفال أقيم بالقاهرة في 22 آذار/ مارس 1945. وجاء فيه أنه لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول أو أي دولة من دولها، واعتبار فلسطين ركناً هاماً من أركان البلاد العربية، ويجب على الدول العربية تأييد قضية فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة. 


ومن أهم سلطات وأهداف الجامعة توثيق الصلات بين الدول العربية وصيانة استقلالها، والمحافظة على أمن المنطقة العربية وسلامتها في مختلف المجالات، وفيما يتعلق بتحقيق الأمن والسلام العربي، أوجبت المادتان الخامسة والسادسة من ميثاق الجامعة على الدول الأعضاء عدم اللجوء إلى القوة لحل النازعات، وأوجبت اللجوء إلى مجلس الجامعة لعرض النزاع وفض الخلاف إما بالتحكيم أو بالوساطة. وقد حدث تعديل لهذا النظام في اتفاقية الدفاع العربي المشترك عام 1950، التي أقرّت اتخاذ تدابير ووسائل منها القوة المسلحة لرد أي اعتداء يقع على دولة من الدول الأعضاء، وهنا يبرز السؤال الكبير ألا يعتبر الاعتداء على لبنان واحتلال فلسطين والعديد من الأراضي العربية للدول الأعضاء من قبل إسرائيل اعتداء على الجامعة وأهدافها وبرتوكولها ومبرر وجودها؟!


ولا بد من التأكيد على أن الجامعة قد فشلت منذ عقود في حل النزاعات والانقسامات بين الدول الأعضاء، وتعرضت فعالية الجامعة العربية لمشاكل كبيرة بسبب الانقسامات بين الدول الأعضاء، والمواقف المخالفة لقرارات وقمم الجامعة، فعلى سبيل المثال، خلال الحرب الباردة، كان بعض الأعضاء مع المعسكر السوفييتي بينما كان البعض الآخر ينتمي إلى المعسكر الغربي. وكان هناك تنافس على القيادة، خاصة بين مصر والعراق، ومن ثم قيام العديد من الدول العربية بتوقيع اتفاقيات سلام مع إسرائيل على الرغم من احتلالها لفلسطين وأراضي عربية تابعة للدول الأعضاء، ومن ثم واجهت الجامعة اختباراً قاسياً بسبب الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عهد الرئيس الراحل صدام حسين، حيث أيد البعض الحرب والبعض الآخر عارضها والبعض الآخر شارك فيها، وفيما يسمى الربيع العربي سنة 2011، فقد تحركت الجامعة ضد الرئيس الراحل معمر القذافي في ليبيا، كما علقت عضوية سوريا. 


وعندما يتفق الأعضاء على موقف مشترك، مثل دعم الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا نادراً ما يتجاوز مجرد إصدار الإعلانات. لقد حددت الدول العربية موقفها من القضايا المطروحة لحل القضية الفلسطينية من خلال القمة العربية التي عقدت في بيروت في 27 آذار/ مارس 2002، لمواجهة التصعيد العسكري الإسرائيلي لحكومة أرييل شارون ضد الشعب الفلسطيني، وقد تغيب الرئيس عرفات عنها بسبب الحصار الإسرائيلي، ولم يتح له العرب المجال لإلقاء كلمته في القمة من مكتبه في رام الله كما كان مقررًا. وقد نصت النقاط الرئيسية في المبادرة العربية التي تضمنها البيان الختامي للقمة على مطالبة إسرائيل بالانسحاب من كامل الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري والأراضي التي لا تزال محتلة في الجنوب اللبناني، ومطالبة بحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر تحت رقم 194، والمطالبة بقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية وفي الضفة والقطاع، تلتزم الدول العربية حينها بالدخول في حالة سلام وأمن وعلاقات طبيعية مع إسرائيل، وضمان رفض كل أشكال التوطين التي تتناقض مع القوانين المعتمدة في الدول العربية. 


وعليه تعهدت القمة العربية أنه في حال قبول إسرائيل بهذه الشروط، فإن الصراع العربي الإسرائيلي يعتبر منتهيًا، إضافة إلى إنشاء علاقات تبادل مع إسرائيل، ودعوتها إلى قبول هذه المبادرة، والعيش معًا بسلام. إن السياسات الأمريكية والإسرائيلية نجحت في تحويل حل الصراع من الداخل الفلسطيني إلى الخارج العربي، حيث تزايدت وتيرة التطبيع السياسي والثقافي مع الدول العربية التي لم تدخل بعد في اتفاقات سلام مع إسرائيل. ومن شأن ذلك قبول إسرائيل في محيطها العربي قبل إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ما يعني إضعاف المطالب الفلسطينية. على الرغم مما تم الاتفاق عليه في هذه القمة، إلا أنه تم ضرب قراراتها بعرض الحائط من قبل بعض الأعضاء، وتم التطبيع مع إسرائيل قبل إنهاء الاحتلال لفلسطين. 


وحري بنا التطرق إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي عمل على حل القضايا الجوهرية التي أفشلت قمة كامب ديفيد الثانية – القدس واللاجئين والحدود والمستوطنات والسيادة- بطريقته الخاصة من أجل إرضاء إسرائيل من خلال تبني الموقف الإسرائيلي وحسم قضية القدس. وبعد قرن على وعد بلفور تم إعلان وعد جديد يمكن أن يطلق عليه الوعد الثاني بعد الإعلان الرسمي عنه من قبل ترامب ونتنياهو في 28 كانون الثاني/ يناير 2020، في البيت الأبيض وبحضور سفراء دول كل من الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، والبحرين، ولكن هذه المرة جاء الوعد من أمريكا -وعد ترامب- الذي يمنح القدس لإسرائيل من خلال الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكية للقدس. لقد تكرر مشهد بلفور "الذي أعطى من لا يملك لمن لا يستحق". 


أما بالنسبة للموقف العربي الرسمي تجاه قرار ترامب الخاص باعتبار القدس عاصمة دولة الاحتلال ونقل السفارة الأمريكية لها، يؤكد بأن علاقاتهم مع إسرائيل أهم من المقدسات الإسلامية ومن القضية الفلسطينية. فردود الفعل الرسمية على القرار لم تصل لمستوى الشجب والاستنكار، فعلى سبيل المثال لم يتم قطع العلاقات مع إسرائيل وأمريكا، أو سحب سفرائهم من أمريكا وإسرائيل، أو حتى طرد السفراء الإسرائيليين والأمريكيين من بلادهم، إضافة إلى أن بعض الدول العربية متواطئة مع هذا القرار. 


وعلى نفس المنوال فشلت الجامعة فشلًا ذريعًا على مدار أكثر من سنة في اتخاذ موقف من الحرب على غزة ومن ثم على لبنان، فقد قتلت إسرائيل أكثر من خمسين ألف فلسطيني وجرحت أكثر من مئة ألف ودمرت القطاع، وقتلت من لبنان أكثر من ألفي مواطن وجرحت الآلاف ودمرت الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني، ولم تخرج الجامعة من دائرة صمتها المريب، فقد كان وما زال التضامن العربي مع فلسطين باهتًا جدًا. 


وفضلًا عن ذلك، لقد انعقد لسان الجامعة ولم ترد على تصريح الوزير المتطرف في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريش الذي قال: "أريد دولة يهودية تشمل الأردن ولبنان وأراضي من مصر وسوريا والعراق والسعودية"، وهذا التصريح يعد اعتداء على العديد من أعضاء الجامعة، فهل وصل الحد بالجامعة إلى أنها لا تستطيع استنكار وشجب ما يحصل من إبادة للشعب الفلسطيني وتدمير لبنان؛ إذن ما هو مبرر وجودها؟! وكل ما سبق وغيره يجب أن يفرد له دراسة مطولة حول موقف الجامعة من الحرب الدائرة. 


وتفسيرًا لذلك كانت قد نشرت جريدة القبس في 12 آب/ أغسطس 1985، خبرًا عن انتقاد الرئيس المصري الراحل حسني مبارك للزعماء العرب الذين اجتمعوا في قمة الدار البيضاء، وقال عن الجامعة أنها "ترقد في تابوت الموت"، وعلى ما يبدو ما زالت ترقد مكانها.