ربط "الأدنى للأجور" بالتضخم.. هل يكفي لحياة عادلة؟

في ظل الجدل الدائر حول الحد الأدنى للأجور الذي يراوح مكانه منذ العام 2020، رأى خبراء عماليون أن حساب هذا الحد لا ينبغي أن يعتمد على نسبة التضخم السنوية بأثر رجعي؛ لأن قيمة الزيادة لن تكون عادلة في ظل الأوضاع المعيشية في الأردن وارتفاع معدلات الفقر.


وبين الخبراء، أنه لحساب قيمة الحد الأدنى للأجور، يجب أن تكون بناء على معايير تتعلق بكلف المعيشة من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم، مشيرين إلى أن القيمة المتوقعة للرفع إلى نحو 281 دينارا بدلا من 260 الحالية تعد غير كافية.
 

وأشاروا إلى أن الأسرة المعيارية في الأردن تتكون من 5 أفراد، وقيمة الأجر لا تكفي لتلبية متطلباتهم الأساسية لحياة كريمة، وخاصة مع تأجيل قرار الرفع لنحو 5 سنوات.

يشار إلى أن اللجنة الثلاثية كانت اتخذت قراراً في 2020/1/20 قررت بمقتضاه زيادة الحد الأدنى للأجور للأعوام (2022، 2023، 2024) بما يعادل نسبة التضخم للعام السابق التي تصدر عن الجهات الرسمية والمختصة، إلا أنها في مطلع العام 2021 اجتمعت مرة أخرى وقررت تجميد رفع الحد الأدنى للأجور في العام 2022.

وعند استحقاق نفاذ قرار اللجنة في العام 2023، اجتمعت اللجنة مرة أخرى وقررت عدم النظر في رفع الحد الأدنى للأجور حتى العام 2025.

لكن وزير العمل خالد البكار، دعا إلى اجتماع اللجنة الأسبوع الماضي، ثم تراجع وأعلن عن تأجيل الاجتماع حتى إشعار آخر.
وفي هذا الصدد، يرى رئيس بيت العمال حمادة أبو نجمة أن رفع الحد الأدنى للأجور لا ينبغي أن يعتمد فقط على نسبة التضخم السنوية، بل يجب أن يستند إلى مجموعة من المؤشرات الأساسية التي تعكس واقع تكلفة المعيشة والقيمة الحقيقية للأجور في الأردن.

وبين أبو نجمة أنه منذ تحديد الحد الأدنى بمبلغ 260 دينارا العام 2021، ارتفعت تكاليف المعيشة بشكل ملموس، حيث يتطلب العيش بكرامة تغطية نفقات تتجاوز ما يمكن أن يوفره هذا الحد الأدنى حتى بعد زيادته المقترحة إلى 281 دينارا.

وأشار إلى أن الإحصاءات تظهر أن تكلفة المعيشة لشخص واحد فقط من دون احتساب الإيجار قد تصل إلى حوالي 350 دينار شهريا، كما أن تكلفة استئجار مسكن صغير تتراوح بين 200 و300 دينار، ما يعني أن الحد الأدنى للأجور الحالي لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية، ويزيد من صعوبة تحقيق الأمن الاقتصادي للعامل.

وقال أبو نجمة: "يضاف إلى ذلك، أن معدلات التضخم السنوية التي شهدتها المملكة في الأعوام الماضية تتراوح ما بين 3 % و4 %، وهو أمر أدى إلى تآكل القيمة الشرائية للحد الأدنى السابق، ما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية لمبلغ 260 دينارا بأكثر من 10 %، ما يستدعي رفعا أكبر من المقترح حتى لاستعادة القوة الشرائية السابقة".

وبين أنه وفقا للتجارب الدولية، فإن الحد الأدنى للأجور يجب أن يقارب 60 % من متوسط الأجور العامة لضمان توازن بين تغطية احتياجات العاملين وتجنب التأثير السلبي على الاقتصاد، حيث يبلغ متوسط الأجر حوالي 570 دينارا؛ أي أن الحد الأدنى للأجر ينبغي أن يصل إلى حوالي 340 دينارا لتحقيق هذا التوازن.

وقال أبو نجمة: "لذلك، فإن الرفع إلى 281 دينارا لا يعكس الاحتياجات الحقيقية للعمال في ظل تكاليف المعيشة المتزايدة، ويجعل من الصعب على العديد من الأردنيين توفير احتياجاتهم الأساسية، ولذا، من الضروري إعادة النظر في الحد الأدنى للأجور وفقا لمنهجية تأخذ بالاعتبار تكلفة المعيشة الفعلية، ومتوسط الأجور، ونسب الفقر، بدلا من الاكتفاء بنسبة التضخم فقط".

بدوره، يرى مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، أن الحد الأدنى للأجور الحالي أو الذي تنوي الحكومة زيادته بنحو واحد وعشرين دينارا يعد بعيدا جدا عن الحد الأدنى للأجر العادل في الأردن.

وأكد عوض أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون عادلا، لأن فلسفة هذا الحد تقوم على أن الأجر الذي يجب أن يحصل عليه الملتحقون الجدد في سوق العمل والذين يتمتعون بمهارات محدودة. ينبغي أن يؤمن لهم حياة كريمة ويلبي متطلباتهم الكاملة من صحة وتعليم وأكل وشرب وسكن ومواصلات.

وبين أن قيمة هذا الحد يجب حسابها وفقا لأرقام سبع سنوات مضت، حيث تم حساب حد الفقر وكان مائة دينار للفرد شهريا، ما يعني أن معدل الأسرة المعيارية خمسة أفراد، وبالتالي يجب أن يكون دخل الفرد 500 دينار.

وبالتالي، أشار عوض إلى أن الحد الأدنى لدينا ما يزال بعيدا جدا عن الأجر العادل، وبالتالي على الحكومة أن تأخذ بعين الاعتبار هذا المستوى، وألا يتم ترك الأمور لموازين القوى الاجتماعية غير العادلة وغير المتوازنة في الأردن.
وأكد أننا بحاجة إلى تفاهمات بين الحكومة والعمال من خلال منظماتهم النقابية ومنظمات أصحاب الأعمال الذين يميل ميزان القوى لصالحهم.

ورأى عوض أن الحكومة تفقد الأداة الأساسية للعمل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، وبالتالي فهذا له أثر كبير على بقاء العديد من الوظائف غير المرغوب فيها من الأردنيين، لأن رواتبها منخفضة.

وأضاف: "للأسف الشديد، فإن معدلات الأجور في الأردن بشكل عام منخفضة، وبالتالي على الحكومة مراجعة القطاعات المختلفة من أصحاب أعمال وعمال من خلال منظماتهم، ولكن القرار الأول والأخير يجب أن يكون لها، بحيث تحقق الهدف الذي من أجله نشأت فكرة الحد الأدنى للأجور".

رئيس الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن خالد الفناطسة، أشار إلى أهمية الأجر ضمن شروط العمل اللائق، وضرورة أن تكون الأجور عادلة وتحقق للعمال سبل العيش الكريم، ولا تسهم في زيادة مشكلة الفقر.

ورأى الفناطسة أن القيمة المتوقعة لرفع الحد الأدنى للأجور بنحو 21 دينارا ليصل إلى 281 هو رفع غير كاف أبدا.

وأكد ضرورة رفع الحد الأدنى للأجور إلى 300 دينار على الأقل بعد مرور 5 سنوات تقريبا على بقائه ثابتا عند 260 دينارا، إذ لم تجر زيادة عليه خلال الأعوام الماضية بسبب تداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد الوطني.
وكشف عن دور الاتحاد للضغط على الحكومة من أجل رفع القيمة بشكل أكبر وكاف، وألا تعتمد على معدل التضخم فقط.