يواجه مشروع التوسع
الديموقراطي في الأردن مشكلة عويصة تتمثّل في النظام الانتخابي. يحاول
الإخوان المسلمون وحلفاؤهم تبسيط تلك المشكلة من خلال القول إن الصراع بين
نظام إنتخابي يقترحونه ¯ ويكفل لهم الأغلبية ¯ وبين قوى الشدّ العكسي التي
ترفض الخضوع للمتغيرات الإقليمية لما يعدّ "حقبة إخوانية" تحظى بالدعم
الخليجي والرعاية الأمريكية.
إقتراح الإخوان صريح في مغالبته وعدائيته: 50 بالمئة من المقاعد على النظام
الأكثري في المحافظات ( نظام 89 ) و50 بالمئة منها على النظام النسبي في
الدائرة الوطنية. وهي وصفة تساوي تسليم البرلمان مسبقا "للإخوان".
لكن "الإخوان" ¯ الذين يهددون بمقاطعة الانتخابات النيابية وتعريض صدقيتها
الدولية, بالتالي, للخطر ¯ مستعدون للتعاطي مع صيغة نظام انتخابي أكثري في
دوائر كبيرة, حتى لو كانت مقاعد الدائرة الوطنية أقلّ من ال50 بالمئة
المطلوبة. ومن نافلة القول إن النقاش الجاري يدور على هذا المحور بالذات,
وقضيته الرئيسية هي التوصّل إلى صيغة شراكة بين النظام و " الإخوان", في
صفقة محسوبة تمنح الطرفين برلمانا مركبا لا يمس بسيطرة النظام ويرضي الجهات
الخليجية والغربية بحصة إخوانية تمنح الأردن سمة الاندراج في " الربيع
العربي".
لكن ذلك النقاش مأزوم في جوهره. فالمهمة الوطنية المطروحة على جدول أعمال
الديموقراطية الأردنية, هي التوصّل إلى برلمان تعددي يمثّل, فعليا,
مكوّناته واتجاهاته وتياراته التي يشكّل تمثيلها جميعا في الندوة
البرلمانية, ضرورة لإعادة تأسيس النظام السياسي على أسس ديموقراطية. لكن
الديموقراطية المستقرة الممكنة في الأردن هي الديموقراطية التوافقية التي
لا مكان فيها للأغلبيات. وهذا هو المبدأ الأول المطلوب تكريسه, إبتداء, في
نظام إنتخابي توافقي.
لماذا الديموقراطية البرلمانية التوافقية? لأن تركيبة المجتمع الأردني
معقّدة لجهة عدم اكتمال إندماج المكوّنات الديموغرافية السياسية,
والتناقضات بين الشرائح المدنية العلمانية وتلك المحافظة, وبين المحافظين
أنفسهم ¯ المنقسمين إلى تكوينين, عشائري وديني أصولي.¯ عداك عن النزعات
الجهوية والطوائف والأقليات الخ... وبالنظر إلى تركيبة كهذه, فإن أيّ نظام
إنتخابي أغلبي وبالتالي أي برلمان أغلبي, لن يقود إلى التحول الديموقراطي,
بل يؤسس لدكتاتورية ستلقى المقاومة من الأطراف المستبعدة, ولن تنتهي إلى
إستقرار العملية السياسية.
ولعلّ الأساس في النظام الإنتخابي التوافقي هو الإقرار بأن تعددية التركيب
الاجتماعي, تتطلب تعددية الدوائر الانتخابية, أي أنها تتطلب إقرار مبدأ
الدوائر الصغيرة والجهوية, وليس العكس, حيث يتاح للكثافات السكانية أن تقرر
التمثيل النيابي.
يمكننا, إنطلاقا من هذا المبدأ, معالجة المشكلات القائمة في التقسيمات
الحالية للدوائر الانتخابية, بحيث يتم تكبيرها وتصغيرها عند حد ثلاثة مقاعد
للدائرة, بما في ذلك زيادة مقعد هنا أو مقعد هناك لمعالجة المطالب
المحلية. وسيكون لكل ناخب الحق في الاقتراع لثلاثة مقاعد أيضا.
يكفل هذا التقسيم الواقعي للدوائر, تمثيلا تكوينيا تعدديا, ويتلافى تقليص
الحق في الاقتراع لكل المقاعد المتنافس عليها في الدوائر, ويمّكن من قيام
التحالفات السياسية.
من جهة أخرى, فإن المنافسة السياسية الأيديولوجية على المستوى الوطني يمكن
تحقيقها في الدائرة الوطنية, ولكن 15 مقعدا هي مجال ضيق للتمثيل. والصيغة
المناسبة هي دائرة وطنية على النظام النسبي بمعدل 25 بالمئة من المقاعد
النيابية الكليّة.