الكابوس الذي تخشاه تل أبيب.. ماذا سيحدث إذا استهدف حزب الله منصات الغاز الإسرائيلية؟

في 14 من تموز عام 2006 خلال الحرب الشهيرة بين حزب الله اللبناني ودولة الاحتلال٬ فاجأ الحزب "إسرائيل" والعالم لأول مرة٬ باستهدافه فرقاطة عسكرية إسرائيلية من طراز "ساعر 5" تدعى (آي إن إس خانيت) أو (الرمح) بصاروخ نوعي مضاد للسفن هو "سي-802" (C-802) صيني المنشأ (حصلت عليه إيران من الصين)، والذي يصل مداه إلى 120 كيلومتراً، ومزود برأس حربي يزن 165 كيلوغراماً.

 

قتل في ذلك الهجوم 4 ضباط من طاقم السفينة التي تم جرها لميناء أسدود٬ ونجح الحزب في بتحييد سفينة "الرمح"، وهي إحدى ثلاث فرقاطات من طراز "ساعر 5" بنتها شركة "نورثروب غرومان" الأمريكية للجيش الإسرائيلي، تكلف الواحدة منها أكثر من 250 مليون دولار؛ ليصنع ذلك الحادث المفصلي "هيمنة نفسية مبكرة" لحزب الله على مجريات الحرب التي عجّلت دولة الاحتلال بإنهائها٬ بعد صدمتها بقدرات حزب الله غير المسبوقة.

 

 

 

بعد 13 عاماً من تلك الحادثة٬ وتحديداً في آب/أغسطس 2019 نشر حزب الله اللبناني لأول مرة مقطع فيديو لتلك العملية٬ فيما حذر الإعلام الاحتلال من قدرات حزب الله وحجم التطور الذي وصل له بعد كل تلك السنوات٬ حيث أن الحزب الذي استهدف بالأمس فرقاطة عسكرية في وسط البحر٬ قادر اليوم على استهداف ما هو أخطر منها: منصات الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط.

ماذا نعرف عن حقول ومنصات الغاز الإسرائيلية في البحر الأبيض المتوسط؟

تمثل منصات الغاز في البحر المتوسط حجر الزاوية في قطاع الطاقة الإسرائيلي، فهي من أهم الموارد التي تعتمد عليها دولة الاحتلال في تلبية احتياجاتها من الطاقة وتصدير الغاز إلى أوروبا أو إلى دول أخرى مجاورة٫ مثل مصر والأردن بصفقات تدر على "إسرائيل" مليارات الدولارات.

 

وخلال العقود الأخيرة٬ عملت دولة الاحتلال على اسكتشاف حقول الغاز البحرية الواقعة على امتداد الساحل المحتل٬ والتي تم تطويرها لتصبح رافداً أساسياً للاقتصاد الإسرائيلي٬ وتمتلك شركات أمريكية وأوروبية حصصاً كبيرة في إنتاجها٬ على رأسها نوبل إنيرجي الأمريكية.

وتوجد عدة حقول للغاز في البحر المتوسط تعتمد عليها دولة الاحتلال في إنتاجها المحلي وتصديرها٬ وتستفيد منها في تشغيل الطاقة ومحطات توليد الكهرباء لكامل المدن المحتلة٬ ومن أبرز هذه الحقول:

1- حقل تمار

تم اكتشاف هذا الحقل في عام 2009، وهو أحد أكبر حقول الغاز التي تسيطر عليها دولة الاحتلال.

يقع على بعد 90 كيلومتراً من ساحل مدينة حيفا في مياه عميقة.

بدأ الإنتاج في هذا الحقل في عام 2013.

يوفر هذا الحقل الجزء الأكبر من احتياجات السوق المحلي الإسرائيلي من الغاز، ويُقدر أن إنتاجه اليومي يصل إلى 11 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، مما يضعه في مصاف الحقول الكبرى.

2- حقل ليفياثان

تم اكتشافه في عام 2010، ويمثل هذا الحقل أكبر اكتشاف للغاز في شرق البحر المتوسط.

يقع على بعد 130 كيلومتراً من ساحل حيفا.

بدأ الإنتاج في الحقل عام 2019.

يقدر الإنتاج السنوي من هذا الحقل بنحو 22 مليار متر مكعب، ويستهدف بشكل رئيسي الأسواق الدولية، حيث يُصدر الغاز المستخرج منه إلى الأردن ومصر وأوروبا عبر أنابيب مختلفة.

3- حقل كاريش

يعد حقل كاريش أحدث الحقول التي دخلت الخدمة في السنوات الأخيرة، ويقع على بعد 90 كيلومتراً من ساحل شمال فلسطين المحتلة.

تم اكتشافه عام 2013 وبدأ إنتاج الغاز منه عام 2022.

الحقل موجه لتلبية احتياجات السوق المحلي وكذلك التصدير، ويتوقع أن يكون إنتاجه السنوي حوالي 8 مليار متر مكعب من الغاز.

4- حقل تانين

خزان للغاز الطبيعي يبعد 120 كم من شمال غرب شواطئ فلسطين المحتلة.

اكتشفته شركة "نوبل إنرجي" الأمريكية في 5 فبراير 2012 على عمق 5.500 متراً تحت سطح الماء.

تشير التقديرات إلى أن حقل تانين يحتوي على 921 مليار قدم مكعب من الغاز و4.5 مليون برميل من السوائل أو 171.7 مليون برميل من النفط المكافئ.

حقول غاز أخرى قبالة سواحل قطاع غزة تسطو عليها "إسرائيل":

5- حقل ماري بي

يعتبر أول حقل اكتشفته "إسرائيل"٬ حيث تم اكتشافه في عام 2000 على عمق 2.082 متراً تحت سطح الماء٬ يقع في السواحل المقابلة لقطاع غزة.

"ماري-بي" هو جزء من مجموعة حقول في المياه الجنوبية لفلسطين المحتلة تطالب بها غزة وتسطو عليه دولة الاحتلال.

تقدر كمية الغاز الطبيعي فيه بحوالي 1.2 إلى 1.3 تريليون متر مكعب٬ وبدأ إنتاج الغاز منه عام 2003.

يمكن أن ينتج الحقل ما يصل إلى 600 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً.

إلى جانب حقل تمار٬ تعرض "ماري-بي" للقصف من قطاع غزة وتم إيقاف الإنتاج به لعدة شهور بعد السابع من أكتوبر 2023.

6- حقل شمشون

بدأت شركة ATP East Med BV الأمريكية حفره عام 2012 وتسرق دولة الاحتلال إنتاجه رغم أنه من المفترض أن يكون مملوكاً للسلطة الفلسطينية.

يقع حقل شمشون قبالة سواحل قطاع غزة على عمق 4500 متراً تحت سطح الماء.

تقدر كمية الغاز الطبيعي فيه من 1.5-3.4 تريليون قدم مكعب من الغاز.

بحسب صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية٬ تشير التقديرات إلى أن متوسط إنتاج البئر اليومي قد يصل إلى 22.7 مليون من الغاز الطبيعي.

7- حقل نوا

حقل غاز طبيعي يقع على بعد 36 كم من شاطئ قطاع غزة

يقع على عمق مياه 700-760 متر٬ اكتشف عام 1999 ويصل الإنتاج المتوقع للحقل بعد تطويره 3 تريليون قدم مكعب من الغاز.

من المفترض أن الحقل تملكه السلطة الفلسطينية٬ لكن بدأت إسرائيل تطور الحقل المسروق وتستغله دون موافقة من السلطة عام 2012.

في 20 أغسطس 2014 وأثناء الحرب على غزة، أعلنت كتائب القسام أنها قصفت حقل نوا في عرض البحر قبالة سواحل غزة.

8- حقل غزة البحري

يقع حقل غزة أو (Gaza Marine) قبالة سواحل القطاع على بعد 32 كلم من شاطئ غزة وفي عمق مياه 306 أمتار.

تم اكتشافه عام 1999 وتبلغ احتياطاته 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

تسطو عليه دولة الاحتلال وترفض تسليمه للفلسطينيين منذ سنوات طويلة.

ماذا سيحدث إذا تم استهداف حقول ومنصات الغاز الإسرائيلية؟

تعد حقول ومنصات الغاز الإسرائيلية البحرية أهدافاً محتملة للهجمات من قبل حزب الله أو حتى إيران٬ حيث يمكن أن ينظر إلى هذه المنصات كأهداف استراتيجية سيلحق استهدافها أضراراً مزدوجة لدولة الاحتلال: في البنية التحتية وكذلك اقتصادياً وأمنياً٬ نظراً لأهمية هذه الحقول في دعم الاقتصاد الإسرائيلي ومكانة "إسرائيل" كمصدر رئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا ودول مثل مصر والأردن. لذا سيكون لأي هجوم على هذه المنصات من قبل حزب الله تداعيات خطيرة على عدة أصعدة.

تواجه هذه الحقول تحديات جيوسياسية هامة، خاصةً في ظل الحرب مع حزب الله وإيران والحوثيين في اليمن والجماعات المسلحة في العراق٬ وكذلك المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة. على سبيل المثال، في أكتوبر 2023، تم إيقاف الإنتاج في حقل تمار لمدة 40 يومًا نتيجة للقصف من قبل كتائب القسام.

سيؤدي الهجوم إلى تعطيل إنتاج الغاز الطبيعي، مما سيؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الإسرائيلي. قد يؤدي أي تعطيل لهذه العمليات إلى خسائر اقتصادية ضخمة بعشرات مليارات الدولارات.

من المعروف أن دولة الاحتلال تُصدر كميات كبيرة من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، وهو ما يجعل هذا المورد جزءًا هامًا من التوازن العالمي للطاقة. إذا تم استهداف المنصات وتوقف الإنتاج، فمن المحتمل أن تشهد الأسواق العالمية ارتفاعًا في أسعار الغاز، نظرًا لتأثر الإمدادات خاصة في ظل احتياجات أوروبا المتزايدة للغاز بعد الأزمة الأوكرانية وانخفاض الاعتماد على الغاز الروسي.

قد يتسبب الهجوم المباشر على هذه المنصات إلى انقطاع الكهرباء عن مساحات واسعة من دولة الاحتلال٬ بما يشمل ذلك المصانع والمنشآت والشركات والمنازل وغيرها٬ نظراً لاعتماد "إسرائيل" بشكل كبير على الغاز في تشغيل الكهرباء.

يمتلك حزب الله صواريخ وطائرات مسيرة قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بهذه المنصات٬ مثل:

1- صاروخ "ياخونت" روسي الصنع٬ الذي يمكن إطلاقه من الجو أو الأرض أو من الغواصات٬ ويبلغ مداه 300 كيلومتراً.

 

2- صاروخ "سي-802": استخدمه حزب الله في استهدف سفينة (ساعر 5) عام 2006 ويبلغ مداه 120 كيلومتراً.

 

3- طائرات مسيرة من طرازات مختلفة مثل: أبابيل ومهاجر وشاهد ومرصاد-1 ومرصاد-2 وغيرها.

 

 

النسخة الإيرانية (نور) من صاروخ سي-802 الصيني والذي استخدمه حزب الله في استهداف سفية ساعر-5 الإسرائيلية عام 2006 / وكالة فارس

كيف ستتضرر مصر والأردن إذا تم استهداف منصات الغاز الإسرائيلية؟

تنقل دولة الاحتلال الغاز الطبيعي للأردن ومصر عبر شبكات الأنابيب التي تسهل عملية نقل الغاز من الحقول إلى محطات المعالجة داخل "إسرائيل" ومن ثم تصديره إلى الدول المجاورة.

في عام 2005 وقّعت كل من مصر و"إسرائيل" اتفاقاً بتصدير الغاز المصري لمدة 20 عاماً، بواقع 60 مليار قدم مكعب في سنة. وبدأت مصر في استيراد الغاز الطبيعي من دولة الاحتلال بكميات تصل إلى 100 مليون قدم مكعب غاز يومياً.

في عام 2019، ارتفاع استيراد مصر من الغاز تدريجياً إلى 700 مليون قدم مكعب٬ وذلك ضمن اتفاقية الـ15 مليار دولار التي وقعتها شركة دولفينوس المصرية في حقلي تمار ولوثيان الإسرائيليين للغاز.

في الثالث من سبتمبر/أيلول 2016 وقعت الأردن مع تجمّع شركات حقل "لفاياثان" الإسرائيلي، ممثلة بشركة نوبل إنيرجي الأمريكية، اتفاقية تصل قيمتها إلى 15 مليار دولار على مدار 15 سنة، مقابل ما مجموعه 45 مليار متر مكعب من الغاز. وبناء على هذه الاتفاقية ستدفع شركة الكهرباء الأردنية لتجمع شركات حقل لفاياثان مليار دولار سنوياً من إجمالي مصاريفها السنوية والبالغة 3.5 مليار دولار.

في النهاية٬ تعتمد مصر والأردن بشكل كبير على الغاز الإسرائيلي لتلبية احتياجات الطاقة وسيكون لانقطاع الغاز الإسرائيلي عنهما أضراراً كبيرة٬ على سبيل المثال٬ في عام 2023 تم إنتاج حوالي 11.19 مليار متر مكعب من الغاز من حقل "ليفياثان" الإسرائيلي، تم تصدير نحو 80.4% منه إلى مصر والأردن. وتعتمد عليه مصر بشكل كبير لتلبية احتياجاتها الطاقوية والتصدير عبر محطات التسييل٬ وسيعني استهدافه انقطاع الكهرباء عن مصر بشكل كبير.

فيما يتعلق بالأردن، يستورد الغاز الإسرائيلي لتشغيل معظم محطات الكهرباء٬ وتنص الاتفاقية الغاز في عام 2016 على شراء الأردن ما مجموعه 300 ألف مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي يومياً، أي نحو 80٪ من احتياجات الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء في البلاد، بإجمالي 10 مليارات دولار.