"هكذا يموت الأبطال".. سكان غزة فخورون بلقطات اللحظات الأخيرة من حياة السنوار
"هكذا يموت الأبطال".. بهذه العبارة الموجزة وصف رجل يبلغ من العمر 60 عاماً في قطاع غزة اللحظات الأخيرة في حياة يحيى السنوار، زعيم حركة حماس، في ساحة المعركة، وهو يحاول صد طائرة مُسيّرة باستخدام عصا في يده. وبالنسبة لآخرين غيره، أصبح السنوار مثالاً يحتذى لأجيال قادمة.
واستشهد يحيى السنوار الأربعاء في اشتباك مسلح مع قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد مطاردة استمرت عاماً، وأُعلن استشهاده أول أمس الخميس. وظهر السنوار في لقطات فيديو ملثماً ومصاباً بجرح قاتل في شقة دمرها القصف وهو يحاول إلقاء عصا على طائرة مسيّرة كانت تصوره. وأثارت هذه اللقطات للحظات الأخيرة في حياته شعوراً بالفخر والعزة بين الفلسطينيين.
وقالت حركة حماس في بيان تنعى فيه السنوار إنه "ارتقى بطلاً شهيداً، مقبلاً غير مُدبر، مُمْتَشقاً سلاحه، مشتبكاً ومواجهاً لجيش الاحتلال في مقدمة الصفوف، يتنقل بين كل المواقع القتالية صامداً مرابطاً ثابتاً على أرض غزة العزة، مدافعاً عن أرض فلسطين ومقدساتها، ومُلهماً في إذكاء روح الصمود والصبر والرباط والمقاومة". وتعهدت حماس في البيان بأنّ استشهاده "لن يزيد حركة حماس ومقاومتنا إلا قوة وصلابة"، وأكدت أنها لن تتنازل عن شروطها في ما يتعلّق بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الاحتلال الإسرائيلي.
وقال عادل رجب، وهو والد لاثنين في غزة ويبلغ من العمر 60 عاماً: "السنوار استشهد لابس فيست (صديري) عسكري ويقاتل بالقنابل والبندقية، ولما أصيب وكان بيموت قاتل بالعصا، هكذا يستشهد البطل". وقال علي، وهو سائق سيارة أجرة يبلغ من العمر 30 عاماً في غزة: "أنا شفت الفيديو 30 مرة من امبارح، ما في أفضل من هيك طريقة للاستشهاد". وأضاف علي: "راح أخلي الفيديو واجب يومي أنه أولادي يشوفوه وإن شاء الله أحفادي كمان في المستقبل".
وعلى الإنترنت، تداول الفلسطينيون كلمات السنوار في خطاباته السابقة، والتي قال فيها إنه يفضل الاستشهاد على أيدي الاحتلال بدلاً من الموت بنوبة قلبية أو حادث سير. وقال السنوار في تلك الخطابات: "أكبر هدية ممكن يهديها العدو والاحتلال لي أنه يغتالني وهو أنه أن أمضي إلى الله سبحانه وتعالى شهيداً على يده (الاحتلال)".
فيديو استشهاد يحيى السنوار.. هل يندم جيش الاحتلال على نشره؟
بعدما تحققت رغبته في الاستشهاد بالطريقة التي كان يريدها، يتساءل بعض الفلسطينيين في الوقت الحالي عما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي نادماً على نشر المقطع للرجل في لحظة تحقيق أمنيته، خشية أن تتحول اللقطات إلى أداة محتملة لجذب أعضاء جدد للحركة التي أقسمت على تدمير الاحتلال.
وقالت رشا (42 عاماً)، وهي نازحة وأم لأربعة أطفال: "قالوا إنه متخبي في نفق وإنه محوط حاله بالأسرى الإسرائيليين مشان يحافظ علي حياته، امبارح شفنا كيف إنه كان بيصطاد الجنود الإسرائيليين في رفح. المكان إللي الاحتلال بيشتغل فيه من مايو/ أيار". وأضافت: "هيك بيستشهد القادة، مع بندقية باليد، أنا كنت أؤيد السنوار قائداً وأنا اليوم فخورة فيه شهيداً".
وقال رجب، الذي أثنى على الطريقة التي رحل بها السنوار واعتبرها بطولية، إنّ طريقة استشهاده "جعلتني فخوراً كوني فلسطينياً". وفي الخليل، المدينة التي تشتعل فيها التوترات جنوبي الضفة الغربية، قال علاء الهشلمون إنّ اغتيال السنوار لن يأتي بزعيم أقل عناداً. وأضاف: "إللي أنا بلاحظه إنه بيروح واحد بييجي واحد أعند منه. السنوار كان رجل عنيد.. للخير طبعاً.. وبنتمنى يجي زيه وأصلح إن شاء الله تعالى. ما بيروح واحد إلا وبيجي واحد أصلح منه".
ويُعَدّ السنوار المطلوب الأول لجيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة، إذ يتهمه بالمسؤولية عن عملية "طوفان الأقصى"، وتسعى إسرائيل من وراء اغتياله إلى تسويق "انتصار" رمزي كبير. وكانت حركة حماس قد أعلنت، في السادس من أغسطس/ آب الماضي، اختيار يحيى السنوار رئيساً للمكتب السياسي للحركة خلفاً للشهيد إسماعيل هنية الذي اغتالته إسرائيل في طهران.
والسنوار المولود في عام 1962 بمدينة خانيونس جنوبي قطاع غزة لم يظهر للعلن منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقبلها أيضاً، لم يكن كثير الظهور منذ إطلاق سراحه في صفقة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط في عام 2011، وهي الصفقة التي تأخر إنجازها لأن كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، أصرّت على إدراجه في قائمة المفرج عنهم.
وفي الكواليس والغرف المغلقة، يقول كثيرون إنّ الرجل الذي كان يتحدث بطلاقة اللغة العبرية واحد من أكثر قادة حماس معرفة بالعقلية الإسرائيلية وطريقة تفكيرها، وقد نجح في أوقات سابقة في ما يمكن وصفه بـ"ابتزاز" إسرائيل ودفعها إلى تقديم تسهيلات وتخفيف القيود على سكان القطاع.
وحتى قبل إعلان حركة حماس اختيار يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي خلفاً للراحل هنية، كان الرجل القوي في الحركة يحاط بكثير من الغموض، وبمحطات مفصلية عديدة أدت إلى صقل هويته الشخصية والأمنية والسياسية والعسكرية، من تأسيسه جهازاً أمنياً في شبابه، حتى اعتقاله 23 عاماً في السجون الإسرائيلية، ومن ثم الإفراج عنه في صفقة "وفاء الأحرار"، وتسلمه مهام رئاسة حماس في القطاع دورتين وصعوده إلى أعلى هرم القيادة التنظيمية.