عام على ((هجوم أكتوبر)) الأسباب والنتائج
القضية الفلسطينية هزت العالم العربي منذ اكثر من ثلاثة ارباع القرن، وهي قضية عادلة، افتقدت القيادة الموحدة منذ الحسيني النشاشيبي الى فتح حماس، وبالتي افتقدت البوصلة، وما زالت الفرقة الفلسطينية هي حجر العثرة الكبير امام شعبنا الفلسطيني لنيل حقوقه، لان قيادته لم تبتكر (آليات) محترمة من الجميع لتسوية الاختلافات، على عكس عدوه، والذي مهما اختلف بعضهم عن بعض، يلجؤون الى آليات متفق عليها لحل النزاع بينهم.
اجتمعت الفصائل اكثر من عشرين مرة هذا القرن واخرها في بكين واتفقت على ان لا تتفق!!
أسباب الاشتباك الأخير بين حماس وإسرائيل في العمق خارج عن المصالح المباشرة للفلسطينيين، هناك من الشواهد ما يؤكد ان المصلحة الأساس في الاشتباك الأخير والذي طال لعام حتى الساعة، مصلحة إيرانية. ايران تخوفت من قضية كانت قد بدات تظهر تباشيرها وهي ما عرف بالخط الهندي العربي، والذي اتفقت عليه دول العشرين في بداية عام 2023 وهو خط يبدا من الهند مرورا بالأمارات ثم السعودية وأخيرا إسرائيل ثم أوروبا، وباركت الولايات المتحدة ذلك التفكير، على أساس ان تظهر الى الوجود دولة فلسطينية ويتم الاعتراف لاحقا بإسرائيل.
تلك الفكرة اقلقت ايران، ان تمت فقد خسرت حصانها الذي تراهن عليه، وقد اصبح لها نفوذ بعد ان أظهرت انها معادية لإسرائيل ومناصرة للفلسطينيين، وبنت استراتيجيتها القائمة على حرب أمريكا (التي تعتقد انها سوف تطيح بحكومة الملالي كما فعلت بحكومة محمد مصدق عام 1953)، ذلك هاجس ولو متخيل جعل من ايران ترفع شعار الدفاع عن المستضعفين، وأيضا تصدير الثورة، على ان تحارب خارج حدودها.
امام هذا التطور اوعزت لحماس ان الوقت حان، وحماس بنت استراتيجيتها على انه مجرد ما تقدح الشرارة، سوف يكون (محور المقاومة ) في ظهرها، تبين ان محور المقاومة بعد أيام قليلة تبرا انه يعرف بنية حماس، وانه فقط مساند، وبدلت فجأة شعارات (وحدة الساحات) فقط بشعار المساندة.
السيد هنية في الاسبوع الأول له تصريح قال فيه، لقد بدانا الحرب حتى نشاغل إسرائيل عن ايران
ثم بدا حزب الله لرفع العتب بما عرف ب ( قواعد الاشتباك) أي مناوشة إسرائيل من الجنوب اللبناني عن بعد.
تلك السردية لها ما يؤكدها في الوثائق المعلنة والصحافة الإيرانية سطرها الكاتب ونشرت في موقع عروبة 22 وبالوثائق، والتي لا مجال لتكرارها هنا.
بيت القصيد ان نظام الشرق الأوسط في الخمسين سنة الأخيرة وقع تدريجيا بين عقيدتين متشددتين، الأولى (الإسلاموية) تراسها ايران وبقية القوى في الإسلام الحركي من داخل وخارج البيئة الشيعية العربية، و(الصهيونيزم ) اي اليمين الإسرائيلي المتشدد، وكلاهما يحمل أوهام التوسع، ويتغذى على الأرواح العربية وليس مهما لديه في الحالتين تخريب الأوطان.
فالنفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن ويتطلع الى مجموعات أخرى خامدة في دول عربية أخرى على انها الظهير والمدافع في الصفوف الامامية عن بقاء النظام في طهران، ولا باس من تقديم الكثير من الأموال لها على حساب رفاه الشعوب الإيرانية.
حماس من جانبها كما تقدم راهنت على عاملين الأول فتح الجبهات، كما وعدت، والثاني اجبار إسرائيل على التفاوض من خلال اخد رهائن إسرائيليين، كما تعودت في السابق، في الحالين مراهنتها لم تكن دقيقة، فاللا مناصرة لها ثقل يذكر، كما ان إسرائيل غيرت عقيدتها في موضوع الاسرى، وقررت في وثائق منشورة ان أي اسرى لن تفاوض عليهم فيما عرف بعقيدة هانيبال والتي تقرر بتجاوز الاسرى وضرب بيد ثقيلة جدا المتسبب فيها، وهكذا سويت غزة من على الارض وصفي عدد كبير من قادتها، وابيد شعبها، وما زال الحبل على الغارب.
وهكذا ما ان تم لها تصفية معظم المقاومة في غزة، حتى التفت الى حزب الله في لبنان، تحت نفس العقيدة، وهي تصفية الحزب عسكريا، بل وضربت مصالح إيرانية في لبنان ودمشق، وكما ضربت عرض الحائط بكل القواعد العالمية في الحروب، ووجدت لها مناصرة من معظم الحكومات الغربية وشرائح واسعة من الشعوب، وفي جو من المساندة الداخلية باستثمار الكثير من الخوف، حتى عادت كلمة 7 أكتوبر تعني (هولوكوست) جديد في ذهن المواطن الإسرائيلي وأيضا شرائح واسعة في الغرب.
اضطرت ايران في ابريل الماضي ان ترد حفاظا على الهيبة امام أنصارها، ولكنه كان ردا (متفقا عليه) وبعد اغتيال نصر الله تريثت حتى ردت في الأول من أكتوبر من جديد حفاظا على ماء الوجه، في الحالتين كانت النتائج بسيطة على وجه الامن الإسرائيلي، وان ضخمها معسكر الإسلاموية.
نحن الان امام مشهدين الأول تقليص اذرعه ايران من جهة، وتخفيض التهديد الإيراني المباشر من جهة أخرى.
في إيران نفسها هناك وجهتي نظر، الأولى وهي ربما في الاقلية تقول، علينا ان نفك الارتباط المباشر بالمظلومين في الشرق الأوسط!!، ونناصرهم إعلاميا، والأخرى المتشددة مصدقة انها يمكن ان تقف امام هجوم غربي واسع, مع انها صديقة لمن يوقع الظلم على الايجور في الصين ومن يوقع الظلم على الاوكرانيين في أوكرانيا، بل تمده بالمسيرات، وأيضا مع ارمنيا ضد أذربيجان المسلمة بأغلبية شيعية في قضية ناجروني كاراباخ، انها السياسة التي قد تنطلي الاعيبها على السذج!!
الاشتباك بين العقيدتين الواهمتين سوف يظل معنا لفترة، لان القوى الدولية اما غير قادرة او غير راغبة في التورط في الملف الشائك، مع دعم هائل مادي ومعنوي ولوجستي للدولة الإسرائيلية والتي تتعامل في الكثير من اعمالها مع العلم والمعرفة والتقنية، امام قوى تتعامل مع تقنية من الدرجة الثانية، وعقيدة غيبية تعتمد على الدعوات.
منذ فترة طويلة كتب المستنيرون العرب ان المعركة حضارية وعلمية تخاض بإدوات حديثة وتعتمد على جمهور مساند وواسع، وفيها من آليات ضبط الاختلاف ما يجنبها الزلل، هذه النصيحة لم يؤخذ بها حتى الساعة، كمثال فان الدولة الإسرائيلية في كل حروبها بعد ان تصمت المدافع تشكل لجنة عالية المستوى ومحايدة، لتعرف الأخطاء التي ارتكبت، وهي لا شك فاعلة بعد الحرب القائمة، بل ان أهالي الاسرى قاموا بمبادرة تشكيل اللجنة، مثل هذه اللجان لا يفكر فيها لا حماس ولا الحوثي ولا حزب الله، المهم هو (الانتصار الإلهي)! الوهمي، دون مساءلة مع قتل اكثر من اربعن الف من النساء والأطفال على شريط غزة، وتدمير حياة ملايين، وكذلك قتل الالف من اللبنانيين، وتعطيل فاضح للدولة اللبنانية والصراع مع مكوناتها، ولا المكابرة هي السائدة. لذلك فان الشرق الأوسط بما بقي فيها من حكومات عاقلة، عليه ان تهجر المجاملة ويلتفت الى تقوية الجبهة الداخلية بتقديم الحقائق للجمهور، وبقيام دولة مواطنة قانونية وعادلة شعارها تجويد التعليم وإقامة العدالة والبعد عن المزايدة، والعمل مع المجتمع الدولي سلميا لتحقيق دولة مستقلة للفلسطينيين.