إسرائيل تحطم الرقم القياسي في انتهاك القانون الدولي... آخرها في لبنان
تصاعدت وتيرة الاعتداءات والهجمات الإسرائيلية في لبنان على مدار الشهر الماضي بشكل غير مسبوق منذ أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي حربًا على غزة دخلت عامها الأول منتهكة في كثير من الوقائع القانون الدولي.
وقد تعددت أشكال انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في عدوانها على لبنان، بداية من التفجيرات التي طالت أجهزة النداء الآلي في لبنان، والاغتيالات التي استهدفت قيادات في حزب الله، مرورًا بالغزو البري لجنوب لبنان وتصعيد الضربات الجوية وأوامر الإخلاء التي تطالب المدنيين بمغادرة منازلهم، فضلاً عن استهداف قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل).
مشهد انتهاك إسرائيل للقانون الدولي في لبنان هو امتداد لسلسلة الانتهاكات التي فعلتها في قطاع غزة، والتي أوصلتها إلى مثولها أمام المحاكم الدولية، ويأتي في مقدمتها محكمة العدل الدولية التي طالبت مراراً وتكراراً بوقف العدوان الإسرائيلي في غزة، ومحكمة الجنايات الدولية التي طالب مدعيها العام، كريم خان، بإصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
في هذا التقرير حاولنا رصد بعض أشكال الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي منذ أن صعّدت عملياتها العسكرية في لبنان واجتاحت قواتها البرية جنوب البلاد بزعم القضاء على البنية التحتية والعسكرية لحزب الله.
1-الغزو البري لجنوب لبنان
رغم أن إسرائيل تزعم أنها تتمتع بحق الدفاع عن نفسها، مستشهدة بعام من الهجمات الصاروخية التي يشنها حزب الله من الأراضي اللبنانية، إلا أن للخبراء رأي آخر،
إذ يقول بعض الخبراء إن الدفاع عن النفس له حدوده القانونية، وخاصة إذا كان استخدام إسرائيل للقوة في لبنان غير متناسب مع التهديد الذي تواجهه أو إذا فشلت في إعطاء الأولوية لحماية المدنيين.
وقال القاضي كاي أمبوس، أستاذ القانون في جامعة جوتنجن في ألمانيا، والعضو في محكمة خاصة في لاهاي تتولى محاكمة جرائم الحرب المرتكبة في كوسوفو خلال تسعينيات القرن العشرين: "لديك الحق في الدفاع عن النفس، ولكن عليك أن تمارس هذا الدفاع عن النفس بطريقة معينة. إنه ليس بلا حدود".
"تحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها وتدعو جميع الأعضاء إلى احترام سيادة الدول الأخرى وسلامتها الإقليمية واستقلالها السياسي".
وينص ميثاق الأمم المتحدة على أن حق الدفاع عن النفس لا يكون سارياً "إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة للحفاظ على السلام والأمن الدوليين".
وقد حاول مجلس الأمن تأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله منذ عام 2006، وهي المرة السابقة التي شنت فيها إسرائيل غزوًا بريًا في لبنان.
2- قصف المدنيين
منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، وسعت إسرائيل نطاق الإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لتشمل جل مناطق لبنان، بما فيها العاصمة بيروت، عبر غارات جوية غير مسبوقة عنفاً وكثافة، كما بدأت توغلاً برياً في جنوبه ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الدولية والقرارات الأممية.
تلك الغارات أسفرت حتى مساء الجمعة، عن 1411 شهيداً و3979 جريحاً، بينهم عدد كبير من النساء والأطفال، وأكثر من 1.34 مليون نازح، وفق بيانات رسمية لبنانية.
هذا العدد الكبير من الضحايا المدنيين قوبل بانتقادات دولية واسعة، خاصة إذا ما علمنا أن الضربات الجوية الإسرائيلية كانت قد أسفرت على سبيل المثال عن مقتل 558 شخصاً على الأقل، بينهم 50 طفلاً و95 امرأة، في يوم واحد فقط.
وقد أعرب زعماء دوليون عن قلقهم إزاء الضربات الإسرائيلية في لبنان، من بينهم رئيس الوزراء الأيرلندي، سيمون هاريس، الذي قال إن سقوط ضحايا من المدنيين يظهر "تجاهلاً صارخاً" للقانون الدولي.
وقال هاريس: "إننا نشهد أيضاً استهداف المدنيين مرة أخرى. ولا نشهد رداً مستهدفاً للإرهاب هنا"، في إشارة إلى عدد الأطفال بين القتلى.
وأضاف هاريس "لذا، فإن النمط المتمثل في انتهاك القانون الدولي وتجاهل قواعد الاشتباك فيما يتعلق بحماية المدنيين يتم تجاهله مرة أخرى بشكل كامل وتام".
وألزم قانون النزاعات المسلحة واتفاقيات جنيف القوات العسكرية أن تستهدف فقط الأهداف العسكرية والأفراد العسكريين. ولا يجوز لها أن تستهدف المدنيين.
وحتى عند شن هجمات ضد أهداف عسكرية مشروعة، فإن جميع الأطراف في النزاع المسلح ملزمة، قدر الإمكان، بتقليل خطر الأضرار المدنية الجانبية.
وإذا اتضح في أي نقطة أثناء التخطيط أو تنفيذ هجوم أنه سيؤدي إلى أضرار مدنية غير متناسبة، فيجب إلغاء الهجوم أو توجيه التحذيرات المناسبة.
أما على صعيد التحذيرات وأوامر الإخلاء، فقد أدانت منظمات دولية الانتهاكات الإسرائيلية في هذا الشأن.
ووصف تقرير لمنظمة العفو الدولية (أمنيستي) "إنذارات" الإخلاء الإسرائيلية للمدنيين في لبنان بأنها مضللة وغير كافية.
وقالت أمنيستي إنَّ إنذارات الإخلاء التي أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لسكان ضاحية بيروت الجنوبية وأهالي جنوب لبنان لم تكن كافية، بل مضللة في بعض الحالات، مشددةً على أن هذه الإنذارات لا تُعفي إسرائيل من التزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني بعدم استهداف المدنيين أبداً، واتخاذ جميع التدابير الممكنة لتقليل الضرر الذي قد يلحق بهم.
وأضافت: "بموجب القانون الدولي الإنساني، يقع على عاتق أطراف النزاع التزام واضح باتخاذ جميع التدابير الممكنة لتجنّب إلحاق الضرر بالمدنيين عند تنفيذ الهجمات، أو على الأقلّ الحدّ منه. ويشمل ذلك إعطاء إنذار فعَّال مسبق بالهجمات للمدنيين في المناطق المتضررة، ما لم تحُل الظروف دون ذلك".
وقالت أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية: "الإنذارات التي أصدرها الجيش الإسرائيلي لسكان الضاحية الجنوبية المكتظة في بيروت، لم تكن كافية. يُظهر تحليلنا أن الإنذارات التي أصدرها الجيش الإسرائيلي لم تتضمن خرائط مضللة فحسب، بل صدرت أيضاً في غضون مهلة قصيرة – في إحدى الحالات قبل أقل من 30 دقيقة من شن الغارات – وفي منتصف الليل، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يكون فيه الكثير من الناس نائمين أو غير متصلين بالإنترنت أو لا يتابعون التقارير الإعلامية".
ورصد تقرير نشرته أيضاً وكالة أسشوتد برس الأمريكية كيف تسبب أوامر الإخلاء الإسرائيلية حالة من الرعب والارتباك لدى السكان اللبنانيين.
وقال أحدهم: "لم يكن لدي حتى الوقت لارتداء الملابس المناسبة، كما ترون. لم أخرج أي شيء من المنزل".
وبحسب قسم حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فإن ربع الأراضي اللبنانية أصبحت الآن تحت أوامر التهجير العسكرية الإسرائيلية.
وحتى لو سلمنا بصحة ما تزعمه إسرائيل من أن حزب الله قام بوضع أهداف عسكرية في مبان مدنية، على سبيل المثال، فإن الخبراء يقولون إن إسرائيل لابد وأن تأخذ في الاعتبار سلامة المدنيين داخل المباني عندما تشن غاراتها الجوية.
وقالت جانينا ديل، المديرة المشاركة لمعهد أكسفورد للأخلاق والقانون والصراع المسلح: "في حين أنه من الصعب إجراء تقييمات قانونية نهائية للهجمات الفردية من بعيد، فإن استخدام المتفجرات الثقيلة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في لبنان والهجمات ضد المباني السكنية حيث يشتبه في أن مسلحي حزب الله يختبئون، والتي تسببت في سقوط مئات الضحايا، كثير منهم من النساء والأطفال المدنيين، تثير مخاوف خطيرة للغاية بشأن الامتثال للقواعد".
3-استهداف الكوادر الطبية
في 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، استهدف طيران الاحتلال الإسرائيلي، سيارة إسعاف قرب مستشفى مرجعيون الحكومي جنوبي لبنان، ما أدى إلى مقتل أربعة مسعفين، وفق وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية.
وقبل ذلك بيوم واحد، كشف وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض أن الغارات الجوية الإسرائيلية قتلت منذ 23 سبتمبر/ أيلول الماضي سبعة وتسعين من الطواقم الطبية والطوارئ، وتسببت بأضرار لأكثر من 10 مستشفيات، داعياً المجتمع الدولي للتدخل لوقف هذه الانتهاكات.
كما أبلغ مسعفون لبنانيون عن تلقيهم مكالمات غريبة بصوت يتحدث باللغة العربية على الطرف الآخر، يحذرهم من إخلاء مراكزهم الطبية، وفق ما نشرت صحيفة الغارديان البريطانية.
وتجرم العديد من الاتفاقيات الدولية استهداف الكوادر والمنشآت الطبية أثناء الحروب، ومن ضمنها المادة 12 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف لعام 1977، التي تؤكد "ضرورة احترام وحماية الوحدات الطبية المتنقلة والثابتة في جميع الأوقات".
كما تنص المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على أنه "لا يجوز مهاجمة المستشفيات المدنية المنظمة لرعاية الجرحى والمرضى، ويجب أن تحترم وتُحمى من جميع الأطراف المتحاربة".
فيما تعتبر المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن "تعمد توجيه الهجمات ضد الوحدات الطبية أو الأفراد العاملين فيها جريمة حرب، خاصة إذا كانوا يؤدون واجباتهم وفقا للقانون الإنساني الدولي".
4-تفجيرات أجهزة البيجر
في منتصف شهر سبتمبر/أيلول الماضي، تعرضت أجهزة اتصال لاسلكي (البيجر) يحملها عدد من عناصرحزب الله في مناطق مختلفة من لبنان إلى قرصنة إسرائيلية، الأمر الذي أدى إلى انفجارها بين أيديهم وإيقاع مئات الجرحى بحسب وزارة الصحة اللبنانية.
وأشارت التقديرات إلى أن عدداً كبيراً من الجرحى الذين بلغ عددهم نحو 4,000 شخص قد عانوا من إصابات في الرأس والمعدة. كما فقد بعضهم بصره أو أطرافه، وخاصة أصابعه.
و نشأت عدة مبادئ أساسية يتعين على الدول وغيرها من المشاركين في الصراعات أن تأخذها في الاعتبار قبل أن تتخذ أي إجراء عسكري.
- ينص مبدأ "التمييز" على أن الأطراف المتحاربة يجب أن تميز في جميع الأوقات بين المقاتلين والسكان المدنيين، وكذلك بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية (مثل المنزل أو مكان العبادة). كما يُحظر شن هجمات عشوائية تستهدف المدنيين والمرافق المدنية فضلاً عن تحقيق أهداف عسكرية.
- إن "التناسب" يحظر الهجمات التي من المتوقع أن تؤدي إلى مقتل وإصابة المدنيين، أو إلحاق الضرر بالأهداف المدنية، بطريقة "مفرطة" مقارنة بالميزة العسكرية المتوقعة.
- وتسمح "الضرورة العسكرية" باتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق غرض عسكري مشروع، أي إضعاف القدرة العسكرية للأطراف الأخرى في الصراع.
وقال ألونسو جورميندي دنكلبيرج، الباحث في كلية لندن للاقتصاد والمتخصص في التنظيم الدولي للحرب، إنه كان من الصعب على إسرائيل أن تتحقق من مبادئ التناسب والتمييز والضرورة العسكرية قبل الهجوم.
ونقل عنه موقع ميدل ايست اي لبريطاني: "ليس لدينا معلومات كافية لمعرفة كيفية تفجير أجهزة النداء بالضبط، ولكن إذا كان الأمر كما يبدو من التقارير الموجودة، فقد تم تفجيرها في وقت واحد، لذا فمن الصعب أن نرى كيف كان من الممكن إجراء عمليات التحقق".
وقال إن إسرائيل، من أجل الوفاء بالتزاماتها، فإنها كانت بحاجة إلى التحقق من كل جهاز اتصالات فردي للتأكد من أن تفجيره استهدف مقاتلاً – وليس مدنياً يحمل هذا الجهاز عن طريق الخطأ أو يقف على مقربة شديدة منه.
ولكن لم يبدُ أن مثل هذه الفحوصات الفردية قد أُجريت، نظراً لأن آلاف أجهزة الاستدعاء وأجهزة الاتصال اللاسلكية كانت تنفجر في وقت واحد.
وتشير العديد من التقارير الإعلامية إلى أن الغالبية العظمى من المستهدفين في الهجمات الإسرائيلية لم يشاركوا في أي شكل من أشكال القتال في ذلك الوقت. وكان العديد من الناس يمارسون حياتهم اليومية.
فيما علق المحامي البريطاني جيفري نايس، الذي قام بمقاضاة الرئيس اليوغوسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش، على تفجيرات أجهزة النداء الآلي بقوله: "من الواضح أن ما حدث هنا يشكل جريمة حرب. وعلينا أن نسميها جريمة حرب".
5-استهداف قوات اليونيفيل
شهدت الأيام الماضية استهداف إسرائيل لعناصر من قوة حفظ السلام الأممية بجنوب لبنان.
وقد أصيب عسكريان من الكتيبة السريلانكية، الجمعة، جراء استهداف دبابة إسرائيلية برجًا للمراقبة لليونيفيل في استهداف ثالث خلال يومين متتاليين.
وأفادت وكالة الأنباء اللبنانية بأن قوات إسرائيلية أطلقت قذيفة مدفعية استهدفت المدخل الأساسي لمركز قيادة قوات اليونيفيل في الناقورة (أقصى جنوب لبنان)، ما أدى إلى أضرار عند المدخل.
يأتي هذا الاستهداف بعد ساعات من شن مقاتلات إسرائيلية مساء الخميس، "غارة عنيفة قرب المقر العام لليونيفيل بمنطقة الناقورة، دون أن تتوفر معلومات إضافية وفق إعلام رسمي لبناني.
ويؤكد خبراء قانونيون أن الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان تشكل انتهاكاً للقانون الدولي.
وقال تامر موريس من كلية الحقوق بجامعة سيدني، إنه لا ينبغي استهداف أفراد حفظ السلام طالما أنهم لا يشاركون بشكل مباشر في القتال ضد إسرائيل، وفق وكالة الأناضول.
وأضاف موريس أن مهاجمة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة قد تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي.
وأوضح موريس أن الهجوم من شأنه أن يشكل خرقاً أيضاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي ينص على رد من المجلس على أي انتهاكات، ربما من خلال فرض عقوبات على إسرائيل أو الدعوة إلى تنفيذ القرار.
وأضاف أن الهجوم من شأنه أن يؤدي إلى تحقيقات وملاحقات قضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد مسؤولين وقادة عسكريين إسرائيليين.
وأضاف أن قوات حفظ السلام تعمل تحت قيادة الأمم المتحدة ولكنها تلتزم بتفويضاتها الوطنية. ورغم أن الهجوم على قوات اليونيفيل لا يشكل من الناحية الفنية هجوماً على الدولة التي توفر القوات، فإنه قد يُنظر إليه سياسياً على هذا النحو من قبل الدول المعنية.