في غزة والضفة الغربية ولبنان.. مطاردة إسرائيلية للصحافيين

تحت عنوان "في غزة والضفة الغربية ولبنان.. إسرائيل تطارد الصحفيين”، قال موقع "ميديا بارت” الفرنسي إن الترهيب والاعتقالات التعسفية والتعذيب والضربات المتعمدة هي أسلحة إسرائيل ضد أولئك الذين عقدوا العزم على نقل الأخبار.

 

كان الصحفي الفلسطيني ضياء الكحلوت يغطي الحرب في غزة لمدة شهرين، عندما وَجَدَ نفسه مكبّل اليدين ومعصوب العينين، ولم يعد مجرد شاهد، بل ضحية للمأساة.

 

بعد تجربة السجن، حاول ضياء الكحلوت العودة إلى شمال غزة لمواصلة عمله، والتأكد من أن أسرته بخير، لكن آماله سرعان ما تبدّدت بسبب حجم الدمار، واستحالة التنقّل في القطاع دون المخاطرة بالموت

 

ففي يوم من شهر ديسمبر الماضي، حاصر عشرات الجنود الإسرائيليين منزل والده في بيت لاهيا، شمال قطاع غزة. يأمرون، عبر مكبرات الصوت، الرجال من جميع الأعمار بخلع ملابسهم، والحفاظ على ملابسهم الداخلية، والنزول إلى الشوارع. كان هناك حوالي عشرة فلسطينيين مكدّسين في شاحنات متجهة نحو قاعدة زيكيم العسكرية. وهناك، تم إلقاء ضياء الكحلوت على الرمال، وأجبر على الركوع، وخضع لعدة تحقيقات حول عمله كصحفي، فيما قام أحد الجنود بضربه.

 

بعد تجربة السجن، حاول ضياء الكحلوت العودة إلى شمال غزة لمواصلة عمله، والتأكد من أن أسرته بخير، لكن آماله سرعان ما تبدّدت بسبب حجم الدمار، واستحالة التنقّل في القطاع دون المخاطرة بالموت. وفي النهاية وَجد ملجأً في قطر.

 

وفي غزة كل الوسائل جيدة لتغطية الجرائم الإسرائيلية بغطاء من الرصاص. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، لم يُسمح لأي صحفي أجنبي بدخول القطاع، في ظل الحصار الإعلامي. وعندما لا يكون الترهيب والاعتقالات التعسفية والتعذيب كافياً لإسكات الصحفيين الفلسطينيين، فإن إسرائيل تستهدفهم عمداً، يقول موقع "ميديا بارت”، مُشيراً إلى أن ذلك يتجلى في الخسائر البشرية المروعة: فقد قُتل ما لا يقل عن 130 صحفياً في عام واحد في غزة، وكثيرون منهم كانوا يرتدون سترة تحدد بوضوح مهنتهم.

 

وفي القطاع الفلسطيني، يتم تجنّب الصحفيين مثل الموت، لأنهم مرتبطون في أذهان السكان بفكرة النهاية الوشيكة.

 

والحرب التي تشنّها إسرائيل على حرية المعلومات لا تقتصر على غزة، يوضح "ميديا بارت”.. ففي الضفة الغربية المحتلة، لن تتوقف القوات الإسرائيلية عن فعل أي شيء لتثبيط همة أولئك الذين يحاولون بلا كلل توثيق عواقب توغلات الجيش في القرى الفلسطينية، والتي أصبحت أكثر تواتراً منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023. في الشهر الماضي وحده، أطلقت قوات الأمن الإسرائيلية النار على صحفيين، أو على مركباتهم، في ثلاث مناسبات أثناء قيامهم بتغطية العمليات العسكرية والإصابات في صفوف المدنيين. وأصيب أربعة صحفيين على الأقل، فيما ارتدى العديد منهم سترات واقية من الرصاص تحمل شعار "الصحافة”.

 

و تابع "ميديا بارت” موضحاً أن مصير معاذ عمارنة يظهر مدى الأساليب التي تستخدمها إسرائيل ضد الصحافة. فبتاريخ 16 أكتوبر 2023، داهمت قوات خاصة منزله الواقع في مخيم الدهيشة للاجئين بمدينة بيت لحم. ويقول وهو ما يزال مصدوماً: "لقد فجّروا الباب الأمامي، بينما كان أطفالي الثلاثة في المنزل. تم تكبيلي بسرعة، ثم تقديمي إلى القاضي. قلت للجنود إنني صحفي، فأجابني أحدهم أنت لست صحفياً، أنت تحرّض على الكراهية ضد دولة إسرائيل. لقد أهانوني وهدّدوني بالاغتصاب”.

 

تتضمن لائحة الاتهام الموجهة ضده ستة عشر تهمة، جميعها تتعلق بعمله كمصور صحفي لقناة "الجزيرة”- مباشر، ووسيلة إعلام محلية تسمى J-Media. ويوضح قائلاً: "لقد نظر القاضي إلى كل ما كتبته ونشرته ولم يجد أي تحريض على الكراهية. لكن المدعي العام ومدير المنطقة قالا إننا في حالة حرب ولهذا السبب لا يستطيع إطلاق سراحي”.

 

ثم تم وضع معاذ عمارنة رهن الاعتقال الإداري رغم قرار القاضي بإطلاق سراحه. ويسمح هذا النظام القانوني لإسرائيل على وجه التحديد بسجن الأشخاص دون توجيه أي تهم إليهم لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد. فقد اعتقل معاذ عمارنة لأول مرة لمدة خمسة أيام في عتسيون، حيث تم تفتيشه عدة مرات وحرمانه من الزيارات. ثم نُقل إلى السجن، حيث تعرّض للضرب عدة مرات. وفي أحد الأيام، أخرجه ثلاثة جنود من زنزانته لالتقاط صورة للمعتقل. ويروي: "بدأوا بضربي، وفقدت الوعي من شدة الضرب. ظن الجنود أنني كنت أتظاهر بذلك، لكن عندما لم أستيقظ، أخذني مدير السجن إلى زاوية مخفية، بعيدًا عن الكاميرات، لأنه ظن أنني ميت.”

 

وقضية معاذ عمارنة ليست معزولة على الإطلاق، يقول "ميديا بارت”.. في 9 أكتوبر 2024، وثقت لجنة حماية الصحفيين ما مجموعه 69 حالة اعتقال للصحفيين في الضفة الغربية وغزة ومدينة القدس منذ بداية الحرب، و ما يزال 43 منهم رهن الاعتقال.

 

وينقل "ميديا بارت” عن شروق أسعد، الأمينة العامة لاتحاد الصحفيين الفلسطينيين، قولها: "كانت السلطات الإسرائيلية معتادة بالفعل على اعتقالنا تعسفياً، أو إطلاق النار علينا، أو مداهمة مكاتبنا. لكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تصرف الجيش بمزيد من الوحشية”. وتصف هذه الأخيرة صعوبة التنقل على الأرض التي تواجهها هي وزملاؤها، بسبب وجود أكثر من خمسمئة حاجز عسكري والأسوار المعدنية التي تم تركيبها لفصل المستوطنات عن القرى. وعندما يتمكّنون من التغلب على هذه العقبات بعد عدة ساعات من الانتظار والاستجواب، يتم استهدافهم بانتظام من قبل المستوطنين في مواقع الإبلاغ.

 

وفي لبنان المجاور- يُضيف "ميديابارت”- أدى التصعيد الأخير إلى خوف الصحفيين من التعرض لنفس المصير الذي تعرض له زملاؤهم الفلسطينيون، خاصة وأن ثلاثة صحافيين لبنانيين قتلوا في جنوب البلاد مع بداية النزاع قبل عام. في حين أن وضعهم كصحفيين لا يمكن أن يكون غير معروف للجيش الإسرائيلي.

 

"مراسلون بلا حدود”: لم تعد أقدام العديد من الصحافيين اللبنانيين تطأ جنوب لبنان، فقد أصبحت المنطقة خطيرة للغاية. لقد تم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء

 

ألقت وفاة عصام عبد الله، الصحفي المخضرم، المعروف والمقدّر لدى الجميع بمهنيته وعمله في وكالة رويترز، في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بظلال من البرد على المهنة. وكشفت تحقيقات عديدة أجرتها وسائل إعلام مستقلة، بما فيها وكالة فرانس برس ورويترز، عن مسؤولية الجيش الإسرائيلي عن التفجير الذي أدى إلى مقتله وإصابة ستة صحافيين. وتشير تحقيقاتهم إلى وجود قذيفة دبابة لا يملكها سوى الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة، وتثبت أن مجموعة الصحفيين تم استهدافهم عمداً، يُشير "ميديا بارت”.

 

"في اليوم الذي توفي فيه عصام، عاد العديد من الصحفيين الذين كانوا متجهين نحو جنوب لبنان أدراجهم”، تأسف زينة أنطونيوس، الصحفية في صحيفة "لوريان لو جور” اللبنانية الناطقة بالفرنسية.

 

وعبرت آيات، زميلة وصديقة عصام، عن أسفها بعد وفاته مباشرة، قائلة: " إفلات إسرائيل من العقاب، التي تتعمد استهداف أولئك الذين يحاولون تغطية الحرب بشكل محايد، أمر محبط للغاية بالنسبة للصحفيين في الشرق الأوسط، خاصة أن القنابل الإسرائيلية ليست وحدها التي تحاول إسكات الصحفيين اللبنانيين”.

 

كما استنكر جوناثان داغر، رئيس مكتب الشرق الأوسط لمنظمة "مراسلون بلا حدود”: "لم تعد أقدام العديد من الصحفيين اللبنانيين تطأ جنوب لبنان، فقد أصبحت المنطقة خطيرة للغاية. لقد تم تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء”.

 

ويغامر بعض الصحفيين المستقلين بتقديم التقارير بدون سترة "صحفية”، وبدون خوذة، لأنها باهظة الثمن، يوضح "ميديا بارت”.