وداعا أستاذنا فخري قعوار

رحيل الكاتب والقاص الأردني المبدع فخري قعوار يمثل خسارة كبيرة للساحة الأدبية والثقافية في العالم العربي. غادر قعوار الحياة تاركاً خلفه إرثاً إبداعياً منداحا اندياحا واسعاً، إذ يشمل عشرات الأعمال الأدبية التي تتنوع بين القصة والرواية وأدب الأطفال والمقالات الصحفية، ما جعله واحداً من أبرز الأصوات الأدبية في الأردن والمنطقة العربية بأسرها.

تعرفت إليه في نهاية السبعينيات من القرن العشرين عندما كان له مكتب صغير في جريدة الرأي، وطلبت نصحه في ديوان شعر لي كتبته خلال فترة دراستي في بريطانيا، فنظر إليه بتمعن شديد ثم حدّق في عيني من خلال نظرته المعهودة قائلا: ما هو تخصصك؟ فأجبته الهندسة، فرد قائلا: لماذا لا تكتب في العلم، فلن ينافسك إلا القليل، بينما في الشعر هناك آلاف الأقلام التي تنافسك. فأدركت عندها أنه لم يعجبه شعري، فأخذت بنصيحته ونجحت في مجال الكتابة العلمية، وبعض الفضل له.

بدأت مسيرة قعوار الأدبية في الستينيات بكتابة القصة القصيرة، وأثبت وجوده بسرعة كأحد رواد هذا الفن في الأردن. لاحقاً، انخرط في العمل الصحفي، وكتب بعمق في صحف عدة مثل «الرأي» و"الدستور» و"الأخبار»، ليصبح اسمه لامعاً على صعيد المشهد الإعلامي. لكنه لم يكن فقط كاتباً وأديبا وصحفيا، بل كان أيضاً مفكراً سياسياً جريئاً، عُرف بمواقفه المعارضة التي أدت إلى فصله من العمل وتوقيفه عن الكتابة لفترة. وعلى الرغم من هذه الضغوط، واصل فخري قعوار التعبير عن آرائه بصلابة، ونجح في الانتخابات البرلمانية عام 1989، حيث كان من بين ا?أصوات الأكثر مدافعة عن الحقوق الدستورية والديمقراطية والحريات.

إلى جانب نشاطه الأدبي والصحفي، كان قعوار شخصية بارزة في العمل النقابي والثقافي، حيث شارك في تأسيس العديد من الهيئات الثقافية في الأردن والعالم العربي. وكان من أبرز مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين، التي شغل منصب رئيسها لأربع دورات متتالية بين 1991 و1999. كما تولى منصب الأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب، واستمر في هذا الدور لمدة ست سنوات، مما يعكس تأثيره الكبير في تطوير الحراك الثقافي في العالم العربي.

أما على صعيد الإنتاج الأدبي، فقد تنوعت أعمال قعوار بين القصة القصيرة والرواية والمقالات، مثل مجموعاته «لماذا بكت سوزي كثيراً» (1973) و"ممنوع لعب الشطرنج» (1976)، التي عكست واقع المجتمع الأردني والعربي بأسلوب سردي بسيط لكنه عميق لا يقل عمقا عن أعمال نجيب محفوظ في شرح أحوال الشعب المصري ومعالجة همومه وتطلعاته. أما في مجال الرواية، فقدّم روايات مميزة مثل «عنبر الطرشان» (1996) و"لا تغرب الشمس» (2008)، اللتين تناقشان قضايا اجتماعية وسياسية بأسلوب نقدي لاذع، وغيرهما.