ضابط من الجيش السوري الحر يهدد باحتلال جنوب لبنان والقضاء على حزب الله بعد أن يسقط الحكم في سوريا بحسب قوله. إذا كان هذا هو شأن الجيش السوري الحر وتوجهاته، فإننا بالتأكيد أمام مرحلة خطيرة، وخطيرة جدا، تتكشف فيها النوايا، وتتقاطع فيها الأهداف والمصالح، فيصبح الصديق عدوا، والعدو صديقاُ، وذلك وفق مقولة عدو عدوي صديقي، وصديق عدوي عدوي، هذا طبعا إذا كنا نُحسن النية ولا نفترض وجود ارتباطات مسبقة مع العدو.
إذا كان هذا الضابط، ومن هم على شاكلته، يعنون ما يقولون، فلا بد لهم ولجيشهم الحر أولا أن يعقدوا معاهدة سلام وتحالف عسكري مع الكيان الصهيوني لتشكيل طوق يلتف حول رقبة حزب الله للقضاء عليه وتدمير أسلحته وصواريخه التي كانت وما زالت تتطاول على "العدو الإسرائيلي"، وتشكل تهديدا حقيقيا لأمنه و "سلامة أراضيه"، أو تسليمها لإسرائيل ليتسنى لها زيادة ترسانتها العسكرية من أجل القضاء على ما يتبقى من بؤر المقاومة والصمود في الوطن العربي، وفي طليعتها غزة طبعا، باعتبارها تشكل خطراً على أمن إسرائيل، الحليف الجديد للجيش السوري الحر.
هذه ليست المرة الأولى التي يُطلق فيها رموز من المعارضة السورية تصريحات من هذا القبيل، إذ سبق لأحدهم أن وعد بأن يرفرف العلم الإسرائيلي على السفارة الإسرائيلية في قلب دمشق، كما وكانت الناطقة باسم المجلس الوطني السوري بسمة قضماني قد شاركت في ندوة حوارية حول معرض الكتاب في فرنسا خُصصت للحديث عن الكتّاب الإسرائيليين، وفيها أعربت قضماني عن إعجابها بدولة إسرائيل، وتحدثت عن حاجة العرب إلى وجود "دولة إسرائيل" بجانبهم، وأن حديث طفلها مع زميله اليهودي كانت لحظة عاطفية، هذا بالإضافة إلى انتقادها للثقافة الإسلامية، وادعائها بأننا بحاجة إلى ثقافة غير ثقافة القرآن.
وبصرف النظر عن التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى، فإن تحركات رموز المعارضة السورية وأعضاء المجلس الوطني السوري، والمحادثات والمشاورات التي يعقدونها مع أطراف إقليمية ودولية، ممن يُضمرون الشر للأمة العربية والإسلامية، تبعث على الريبة والشك، وتشي بارتباطات مشبوهة لهؤلاء الناس، أو لبعض منهم على الأقل، مع أعداء هذه الأمة، وصولا إلى تفكيك المنطقة وشرذمتها بحيث يسهل عندها تمرير المخططات المرسومة للسيطرة على مُقدَّرات الأمة وثرواتها ومصادرة قرارها، والأهم من ذلك كله، ضمان سيطرة إسرائيل على كامل التراب الفلسطيني، وتصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، تمهيدا لاستكمال المخطط الصهيوني بالهيمنة على المنطقة، وإقامة دولتهم المزعومة من الفرات إلى النيل.
من حق الشعب السوري أن يطالب بالحرية والإصلاح ومحاربة الفساد وتداول السلطة، هذا حق لا ينازعه فيه أحد، لكن المؤامرة على سوريا والمنطقة برمتها كبيرة وخطيرة، وقد بدأت تتكشف خيوطها خيطاً خيطاً، وما هذا التحشيد والتحريض والتهويل من كل الأطراف المعادية والمحطات الفضائية التي تعمل ضمن هذا السياق إلا جزءا من المؤامرة، وما لم يتنبه كل من النظام والشعب في سوريا إلى ما يحاك ضدهم من مؤامرات، فإن الدائرة ستدور على الجميع، وستكون سوريا، بما فيها ومن فيها، ساحة لصراعات وحروب أهلية يطول أمدها ولا رابح فيها، وهذا ما تخطط له إسرائيل وحلفاؤها الدوليون والإقليميون.
الفرصة ما زالت سانحة أمام النظام السوري والمعارضة الوطنية السورية لتغليب لغة العقل والمنطق، والتخلي عن التعنت والعناد والصلف ورفض الحوار، خصوصاً بعدما وصلت الأزمة السورية إلى طريق مسدود، فلا النظام قادر على إخماد الثورة، ولا الثورة بقادرة على الإطاحة بالنظام، وهذا بالضبط ما تريده القوى المتربصة بهذه الأمة، خصوصا إسرائيل ومن يقف وراءها. لذلك فإن الالتقاء في منتصف الطريق والجلوس إلى طاولة الحوار الجاد والمخلص هو مطلب أساسي وملح لكل الوطنين المخلصين، ليس في سوريا فقط، وإنما في الوطن العربي بأكمله، لإحباط المؤامرة وتجنيب البلاد والعباد مخاطر الحرب الأهلية التي سيكون وقودها الناس والحجارة.