تفاصيل جديدة بشأن عملية تفجير أجهزة حزب الله.. وعمليات تجسس أخرى

  • الأجهزة جُمعت في إسرائيل
  • واشنطن بوست: أجهزة "البيجر" المنفجرة في لبنان جُمعت في إسرائيل
  • الموساد بدأ يدخل أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة إلى لبنان قبل نحو عقد
  • خطة تفجير "البيجر" بدأت قبل أكثر من عام من حرب غزة

كشفت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، اليوم الأحد، عن تفاصيل جديدة بشأن عملية التفجير التي قامت بها إسرائيل لأجهزة النداء الإلكترونية (البيجر) التابعة لعناصر من حزب الله اللبناني، بالإضافة إلى تفاصيل أخرى تتعلق بعمليات تجسس تجريها المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على أعضاء من حزب الله منذ سنوات.

والشهر الماضي، نفذ الاحتلال الإسرائيلي عملية اختراق لأجهزة بيجر تابعة لعناصر حزب الله، وقام بتفجيرها، ما أدى إلى وقوع آلاف الإصابات، في عملية هي الأكبر التي تنفذها إسرائيل ضد حزب الله منذ بدء الحرب بينهما في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي تحقيقها حول هذه الحادثة، قابلت صحيفة واشنطن بوست مسؤولين أمنيين وسياسيين ودبلوماسيين إسرائيليين وعرب وأميركيين مطلعين على الأحداث، بالإضافة إلى مسؤولين لبنانيين وأشخاص مقربين من حزب الله، تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم.

فكرة العملية ومسار تنفيذها

وبحسب المسؤولين، بدأت أجزاء من خطة التفجير في الظهور قبل أكثر من عام من الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وكانت الحدود الشمالية تشهد هدوءاً نسبياً. ووصف المسؤولون هذه الخطة التي استغرقت سنوات طويلة والتي بدأت في مقر الموساد في تل أبيب، وشارك فيها في نهاية المطاف مجموعة من العملاء غير المعتمدين في بلدان متعددة، بأنها "نجاح إسرائيلي".

وخلال السنوات السابقة، كان جهاز الموساد قد عمل لسنوات على اختراق حزب الله من خلال المراقبة الإلكترونية والمخبرين البشريين. وبمرور الوقت، تعلم قادة الحزب القلق بشأن تعرض المجموعة للمراقبة والاختراق الإسرائيليين، وهكذا ولدت في النقاشات الإسرائيلية فكرة العملية التي تعتمد على مراقبة وتفخيخ أجهزة غير حديثة مثل أجهزة الراديو وغيرها من أجهزة الاتصال ينوي الحزب استخدامها، وكان حزب الله حينها يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل.

وبعد علم الموساد أن حزب الله ينوي شراء هذه الأجهزة، توصل إلى عدد من الحيل من شأنها أن تدفع الحزب إلى شراء أجهزة تبدو مثالية له، إذ بدأ في إدخال أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة إلى لبنان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، تحديداً في عام 2015، وكانت تحتوي الأجهزة على حزم من البطاريات كبيرة الحجم وكذا نظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات حزب الله.

وعلى مدى تسع سنوات، اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على حزب الله، كما قال المسؤولون للصحيفة الأميركية، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في أزمة مستقبلية، لكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة، إذ كان يريد حزب الله شراء أجهزة جديدة كبيرة الحجم ويمكن زراعة متفجرات قوية داخلها، لينتهي الأمر بحزب الله إلى شراء هذه الأجهزة.

وفي عام 2023، قرر حزب الله شراء كميات كبيرة من أجهزة الاتصال اللاسلكي التي تحمل علامة "أبولو" التايوانية، وهي علامة تجارية معروفة جيداً وخط إنتاج يجرى توزيعه في جميع أنحاء العالم ولا توجد روابط واضحة له مع المصالح الإسرائيلية.

 

وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة، لكن المسؤولة عن شراء الأجهزة هي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، لكنهم قالوا إنها ممثلة مبيعات سابقة في الشرق الأوسط للشركة التايوانية، وكانت قد أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية. في وقت ما من عام 2023، عرضت على حزب الله صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها، فقرر الحزب الشراء منها.

وأكد مسؤول إسرائيلي أن المرأة "كانت على اتصال بحزب الله، وشرحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجماً والمزود ببطارية أكبر أفضل من النموذج الأصلي"، مضيفاً أن "إحدى نقاط البيع الرئيسية لجهاز AR924 كانت أنه من الممكن شحنه بكابل. وكانت البطاريات تدوم مدة أطول".

الأجهزة جُمعت في إسرائيل

وقال المسؤولون الإسرائيليون إن أجهزة النداء التابعة لحزب الله جرى تجميعها في إسرائيل وتحت إشراف الموساد، وزعموا أن المسؤول التسويقي لم يكن على علم بالعملية ولم يكن على علم بأن أجهزة النداء جرى تجميعها فعلياً في إسرائيل. وأوضح المسؤولون أن "مكون القنبلة أُخفي بعناية شديدة بحيث لا يمكن اكتشافه عملياً، حتى لو فُكّك الجهاز".

وبحسب بيان أصدرته منظمة سمكس (مقرها بيروت، وتُعنى بتعزيز الحقوق الرقمية في منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا)، فإنّ جهاز النداء (Pager) هو "جهازٌ لاسلكي صغير يُستخدم لاستقبال الرسائل القصيرة أو التنبيهات. كان يستخدم على نطاقٍ واسع قبل شيوع الهواتف المحمولة، لا سيما في الثمانينيات والتسعينيات، وكان يُفضّل استخدامه من قبل الأطباء والمستجيبين لحالات الطوارئ ورجال الأعمال بسبب موثوقيّته في استقبال الإشعارات العاجلة". ويتميز البيجر بعدم الحاجة إلى اتصال مباشر بالمكالمات الصوتية، ما يجعله مفيداً في مواقف معينة مثل الحالات الطارئة أو العمل في الأماكن التي يصعب فيها الحصول على تغطية جيدة للهواتف المحمولة.

تنفيذ العملية وقرار اغتيال نصر الله

وأشارت الصحيفة الأميركية إلى أن حامل جهاز النداء كان يحتاج إلى الضغط على زرين لقراءة الرسائل، ما يعني حاجته إلى استخدام كلتا يديه في آن واحد. وخلال تنفيذ العملية في 17 سبتمبر/ أيلول، وصلت رسالة إلى جميع أجهزة النداء في مختلف أنحاء لبنان وسورية، وظهرت على الشاشة جملة: "لقد تلقيت رسالة مشفرة"، وما إن ضغط عناصر حزب الله على الزرين، حتى انفجرت الأجهزة وألحقت الضرر بشكل كبير في أيديهم ووجوههم.

ولم يكن كبار المسؤولين في إسرائيل على علم بهذه العملية حتى يوم 12 سبتمبر/ أيلول، عندما استدعى نتنياهو مستشاريه لعقد اجتماع لمناقشة التحرك المحتمل ضد حزب الله، وقدم مسؤولو الموساد حينها شرحاً عن أكثر عمليات الوكالة سرية، كما تطرقوا أيضاً إلى احتمالات تصاعد الأزمة في جنوب لبنان.

وقال المسؤولون، في حديثهم مع الصحيفة الأميركية، إن مناقشات حادة اندلعت بين قادة المؤسسة الأمنية، وأدرك الجميع، بمن فيهم نتنياهو، أن العملية قد تؤدي إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.

وقال مسؤول إسرائيلي: "كان من الواضح أن هناك بعض المخاطر (...) حذر البعض من هذا، بمن فيهم كبار المسؤولين في الجيش، من احتمالات التصعيد الكامل مع حزب الله". ولم تكن الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي بشأن ما إذا كان ينبغي تشغيلها، كما زعم المسؤولون.

وخلال الاجتماع، وافق نتنياهو على تفجير الأجهزة، وبدأ الموساد على مدى الأسبوع التالي الاستعدادات للعملية.