محور المقاومة يستعيد عافيته وسيطيح "بأحلام" نتنياهو

أُزيح الستار وبدأت فصول "المسرحية"، كما يحلو لأعداء المحور، وصف فعالياته. إيران تدك القواعد والمطارات والمنشآت الاستخبارية والعسكرية بوابل من الصواريخ رداً، ولو تأخر كثيراً، على اغتيال هنية ونصر الله. ورغم إعلان نتنياهو (إن العملية فشلت) كعادته المعروفة في الكذب، وإدارة ظهره للوقائع المحرجة، ورغم التبهيت الأمريكي لقوة الضربة ونجاحها، لأغراض سياسية واضحة بالتخفيف من تهوّر غير محسوب لنتنياهو، إلا أن الجيش اعترف بدك المطارات والقواعد، درجة الإعلان، في تصريح لافت، أن قدرات سلاح الطيران لم تتأثر، وما كان ليفعل ذلك لولا الشك المشروع الذي أصاب مجتمع المستوطنين بتلك القدرات نتيجة الضربة، فيما الفيديوهات المصوّرة نقلت ما سعى الرقيب العسكري، دون جدوى، لإخفائه، فأظهرت الحرائق والدمار في المنشآت على نطاق واسع.


كانت ضربة موجعة فعلاً، تمكنت خلالها إيران من استعادة هيبتها، كطرف رئيس في محور المقاومة، وكثقل سياسي وعسكري في الإقليم، تلك الهيبة التي مُست مرتين، مرة بانتهاك سيادتها باغتيال هنية، والثانية باغتيال حليفها الموثوق دون منازع نصرالله وحفنة من قياديي الحزب ومعهم مسؤول الملف اللبناني في فيلق القدس الإيراني.


أما على الجبهة اللبنانية فالقدرات الصاروخية، بعد سلسلة الهجمات الصهيونية والاغتيالات، ليس فقط لم تتأثر، بل توسع مدى الضربات ليصل تل أبيب والقدس، ولتدخل أنواع جديدة من الصواريخ، ليضع (جعجعات) الجيش حول القضاء على القدرات الصاروخية في مهب الريح. أما التطور الأبرز فهو تلك الجاهزية العسكرية لمقاتلي الحزب في الجنوب، والتي تمثلت بالتصدي لمحاولات التسلل في العديسية ومارون الراس وقصف تحشدات الجيش المتحفزة للاجتياح، في المطلة ومسكاف عام، ليتكبد المحتل خسائر جاوزت الـ 80 بين قتيل وجريح حسب مصادر المقاومة المعلنة، لتفرض المقاومة على المحتل أن يعيد النظر في حساباته بخصوص الاجتياح، وإن لم يلغه، ولكن ليدرك أن ما قاله نعيم قاسم عن الجاهزية للالتحام ليس محض أقوال لا سند لها.


حزب الله يرد على الرهانات البائسة التي تعلقت بأحلام تراجع قوة وقدرات الحزب، فسارعت للحديث عن تطبيق 1701 ونشر الجيش في الجنوب وانتخاب رئيس، كما صرّح ميقاتي مراهناً على انكسار الحزب، أو إعلان الرغبة بالانفكاك من اتفاقية الغاز مع لبنان، كما طالب وزير خارجية دولة الإبادة، والتي فرض الحزب شروطها سابقاً من موقع التهديد بضرب منصات الغاز.


على الذين سارعو في تحليلاتهم، إما من منطلق العدائية، أو من منطلق هول الضربات الإسرائيلية للحزب وقيادته، بالحديث عن بنية مترهلة ومهلهلة يسهل اختراقها، وقد يأخذ الحزب سنوات للوقوف من جديد على قدمية، عليهم أن يعيدوا حساباتهم، فلا قوته الصاروخية تاثرت، ولا جاهزية مقاتليه بالالتحام، وذلك يعني ببساطة انتظام آليات القيادة والتواصل والتخطيط واتخاذ القرار وجهوزية البنية. صدق نعيم قاسم في تطميناته.


أما وتيرة الإسناد من اليمنيين والعراقيين فقد تصاعدت ومنذ ضربات الاحتلال لقيادة حزب الله والضاحية، فلم يكفوا عن سعيهم لإسناد شعبنا بالصواريخ أو بالمسيرات التي تنطلق باتجاه الجولان وإيلات والأغوار وتل أبيب.


وفي قطاع غزة فقد لوحظ في الأسبوعين الأخيرين إعادة تنشيط الكمائن في رفح وخانيونس، وقصف تمركز الجيش في محور نتساريم، بعد ما بدا تراجعاً في فعاليات المقاومة.


بالنتيجة، تطورات هامة على صعيد المحور تفرض على نتنياهو إعادة النظر في "أحلامه" التي أطلقها بعد اغتيال نصر الله وحفنة من قياديي الحزب. لا شك أن الحزب تلقى ضربة في تفجير الأجهزة، وصفها السيد الشهيد بالقاسية والموجعة، تلتها ضربة أشد إيلاماً باغتيال السيد نفسه مع حفنة من القياديين، ضربة عكست مقدرة تقنية واستخبارية إسرائيلية متقدمة تمكنت من اختراق الحزب وترتيباته الأمنية، ما يفرض، وهذا بالتأكيد ما يُتوقع أن يقوم به الحزب، مراجعة تلك الترتيبات لمعالجة جذرية لضمان عدم تكرار ذلك الاختراق.


انتشى نتنياهو وفريقه الفاشي بالإنجازات، وكانوا بحاجة ماسة لها بعد الفضائح العسكرية والاستخبارية والأمنية منذ 7 أكتوبر حتى اليوم، فضائح أفقدت مستوطنيهم الثقة بهم، فكانوا بحاجة ماسة لاستردادها عبر إنجازات ما حققوها في الضاحية، فأخذتهم النشوة فأعلن نتنياهو في لحظة من الفرحة العارمة (انتصار إسرائيل) ما مكنها من (تغيير ميزان القوى) وبأفق (بناء شرق أوسط) تكون فيه دولة الإبادة هي المهيمنة والمسيطرة والمتحكمة. لما لا وقد انتهى وانهار (حزب الله) كما اعتقدوا، فيما النظام العربي الرسمي لا يقل عنهم نشوة (بالانهيار)، ويتمناه منذ عشرات السنين، وذلك نظام يشكل عامل قوة إضافي لمشروع لنتنياهو.


لقد كان السيد الشهيد قد وصف في خطابه الأخير قيادة دولة الإبادة بالحمقى. هم فعلا كذلك. إذ راهنوا على نجاح عملية تخدير القيادة الإيرانية باتفاق لوقف إطلاق النار بديلاً عن الرد على اغتيال هنية، وإذ (تخدرت) تلك القيادة بعض الشيء، وقد اعترف أكثر من مسؤول إيراني بخديعة الاتفاق، إلا أن الرد جاء وثبت عقم الرهان على نجاح التخدير، كما وثبتت حماقة أوهام نتنياهو وفريقه.


وفي تصورات حمقاء أكثر بؤساً، تصور نتنياهو وفريقه، في لحظة الانتشاء التي يحفزها رغبة محمومة باستعادة ثقة مستوطنيهم بهم، أعلنوا أن حزب الله لن تقوم له قائمة، وبدأوا يرسمون ملامح المرحلة القادمة على جثته، فجاءت صواريخ القدس وتل أبيب والعديسية ومارون الراس ومسغاف عام والمطلة، لتُظهر مدى حماقتهم، ولتؤكد أن بنية الحزب بخير، وجاهزيته ما زالت كما أشرف عليها القائد الشهيد طوال عشرات السنين.


هي ذات الحماقة التي طبعت خطابهم وخططهم مرات عديدة: مرة في العام 2006 عندما أعلن أولمرت أنه بغزوه للجنوب يسعى لتفكيك حزب الله وتجريده من السلاح. نعم هكذا مرة واحدة: تفكيك وتجريد! والمرة الثانية في 8 أكتوبر حين أعلن نتنياهو أن هدف الحرب على غزة القضاء على حماس واستعادة الأسرى وتفكيك حكم حماس وتهجير سكان القطاع لسيناء، فماذا حصد من كل ذلك؟ لا شيء. أما اليوم فيعلن الهدف في لبنان: منطقة عازلة في الجنوب ودفع حزب الله لشمال الليطاني وضمان عودة سكان الشمال. فما البشائر؟ البشائر هو ما خاطبهم به السيد الشهيد آخر مرة: سيزداد عدد المهجرين من المستوطنين، ولن تعودوا إلا بوقف الحرب على غزة. تل أبيب والقدس والعديسية ومارون الراس ومسغاف عام تزكي موقف السيد الشهيد ومقاومته، لا حماقة نتنياهو وفريقه.


على أية حال فالاستعمار دائماً كان أحمقاً وغبياً ليس لأنه لا يقرأ التاريخ فقط، تاريخ هزائمه وانتصار الشعوب، بل لأنه لا يقرأ حتى حاضره، وهذا ما يفعله اليوم نتنياهو وفريقه: لا يقرأون لا الحاضر ولا التاريخ. والحاضر يقول: محور المقاومة استعاد عافيته وسيطيح بأحلام نتنياهو